الإسراف والتبذير
الفرق بين الإسراف والتبذير
الإسراف
هو الجهل بمقادير الحقوق، فهو إنفاق فيما هو حلال ولكن فوق حد الإعتدال، بينما
التبذير هو الجهل بمواقع الحقوق، فهو إنفاق فى الحرام سواء قل أو كثُر.
ومن هنا يتضح لنا أن التبذير هو إنفاق المال فى المعاصي والمحرمات، أما الإسراف فهو مجاوزة الحد سواء كان فى المال أو فى غيره كالإسراف فى الكلام أو فى القتل، وكلاهما مذموم وإن كان ذم التبذير أعظم.
التوسط والإعتدال فى الإنفاق
سُئل
حكيم:- متى يكون بذل القليل إسرافًا وبذل الكثير إقتصادًا؟
قال:- إذا
كان بذل القليل فى باطل فهو إسرافًا، وإذا كان بذل الكثير فى حق فهو إقتصادًا.
أي أن الإسراف
إنفاق فى الحلال المُباح إذا تجاوز صاحبه حد التوسط والإعتدال، أما التبذير فهو إنفاق
فى الحرام قل أو كثُر.
فإذا
كان الإنفاق دون حد الإعتدال وفى الحلال
فهو بُخل، وإذا تجاوز حد الإعتدال وفى الحلال فهو إسراف، أما إذا كان الإنفاق فى
الحرام قل أو كثُر فهو تبذير، وخير الأمور أوسطها ففيها النجاة، فلا يكون الإنسان
بخيلًا فيُقصر فى حق نفسه وأهله، ولا يكون مُبذرًا فيصرف فوق الحاجة، فيصبح نادمًا
على تبذيره وضياع ماله.
وكما يقول
الله تعالى:-
{وَلَا
تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَىٰ عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ
فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا} [الإسراء : 29].
صور ومظاهر الإسراف والتبذير
1- الإسراف
فى المال والتبذير فيه؛ بالإنفاق فوق الحاجة مما يتسبب فى إهدار المال وضياعه.
2- الإسراف
على الأنفس بالمعاصي والذنوب؛ وهم من جنوا على أنفسهم بالإسراف فى إرتكاب المعاصي
والذنوب، يقول الله تعالى:- {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ
أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : 53].
3- الإسراف
فى إنفاق الصحة والوقت؛ وهو إسراف لأعظم نعم الله على الإنسان، والتى يجب أن يقضيها
فى عبادة الله وطاعته، ولا يضيعها فى مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني والنظر إلى المحرمات
والنساء الكاسيات العاريات.
4- الإسراف
والتبذير فى الطعام والشراب؛ يقول الله تعالى:- {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا
زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف : 31]. إن كثرة الأكل تُصيب الإنسان
بالتُخمة وعُسر الهضم والعديد من الأمراض، كما تُسبب الكسل والبلاد.
5- الإسراف
والتبذير فى إستخدام المرافق العامة؛ كالمبالغة فى إستهلاك الماء والكهرباء وإستخدام
الأجهزة الإلكترونية.
6- الإسراف
فى القتل؛ القصاص يكون بقتل القاتل أو أخذ الدية، ولا يصح لولي أمر المقتول أن
يجاوز حد الله فيه، كأن يقتل بالواحد إثنين أو أكثر أو يُمثل بجثة القاتل.
7- الإسراف
والتبذير للتباهي التفاخر فى الحفلات والمناسبات، كإقامة الولائم الكبيرة في
الأفراح والمسرات وحتى في المآتم، للتباهي وحبًا فى الشهرة، دون النظر لكميات
الطعام والشراب التى تهدر فوق الإحتياج.
8- الإسراف
فى الكلام؛ فكثرة الكلام والتشدق فيه سببًا فى مضايقة الآخرين، وقد توقع كثرة
الكلام فى أمور خطيرة نهانا عنها الإسلام مثل الغيبة والنميمة والسخرية والإستهزاء
وإيذاء الأنفس والخوض فى الأعراض، ودين الإسلام يدعو إلى العمل والجد وعدم الهزل فى
الأمور، وعدم تضييع الوقت فيما لا ينفع ولا يفيد الناس.
أسباب الإسراف والتبذير
* النشأة
والتربية الأسرية، فمن إعتاد منذ الصغر على الإسراف والتبذير، يشق عليه التوسط
والإعتدال فيهما.
* التأثر
بصحبة المُترفين والمُنعمين، يجعل الإنسان ينجرف فى مسارهم ويسلك سلوكهم.
* السعة
بعد الضيق؛ إنتقال الإنسان من ضيق العيش إلى رغده يساعد على الصرف دون وعي،
ومحاولة إشباع رغباته وعلاج حرمانه من النعم.
* ضعف الإنسان أمام شهواته؛ فكلما اشتهى شيئًا اشتراه دون أن يضع لنفسه حدودًا للإنفاق لا يتخطاها، فيبتعد عن سلوك التوسط والإعتدال.
* إنشغال
كثير من الناس بجمع الأموال وتكديسها سببًا فى دفع أبنائهم للإسراف والتبذير، حيث ينفقون
دون حساب وبكل سهولة.
آثار وعواقب الإسراف والتبذير
1- الإسراف
سبب لعدم محبة الله تعالى للإنسان، فهو إتباع لسلوك الشياطين.
2- الإسراف
فى الطعام يضر بصحة الإنسان، ويتسبب فى الإصابة بالعديد من الأمراض، كما يجعله
يعجز عن فعل ما ينفعه كآداء العبادات.
3- قد
يكون الإسراف والتبذير طريقًا ينتهي بالإنسان إلى فعل المحرمات وإرتكاب المعاصي والذنوب.
4- إستنزاف
موارد البيئة وتبديد ثروات المجتمع.
5- يؤدي
الإسراف والتبذير إلى إنتشار بعض أمراض القلوب؛ مثل: الكِبر والعُجب والغرور والخيلاء.
6- يؤدي
التبذير إلى الإفساد فى الأرض وإضلال الناس، وحملهم على كُفران نعم الله الفائضة
عليهم، وصرفها إلى غير ما أمر الله به.
7- إثارة
أحقاد الفقراء والمحتاجين وزيادة حسدهم للأغنياء، وإنتشار الكراهية والضغينة بين الناس.
8- يؤدي
الإسراف والتبذير لشعور صاحبه بالحسرة والندم بعد ضياع أمواله وتعرضه للذل والهوان
بعد العز والرخاء.
كيف تتخلص من الإسراف والتبذير؟
* ردع
النفس عن الإسراف والتبذير بالنظر إلى أحوال الفقراء والمساكين، والمرضى وأصحاب
البلاءات.
* تجنب
مرافقة العُصاة المُترفين، وصحبة المعتدلين والمتوسطين فى معاشهم.
* التوجه
إلى الله تعالى والتقرب إليه بالطاعات والإبتعاد عن نواهيه، فلقد نهانا الله عن
الإسراف والتبذير.
* توجيه
أفراد الأسرة كالزوجة والأبناء إلى التوسط والإعتدال فى الإنفاق، وتربية الأبناء
وحثهم على الإقتصاد فى المعيشة منذ الصغر.
* ترتيب
الإنفاق حسب الأولويات، وذلك لتحقيق إشباع الحاجات الضرورية، وليس للترف والشهوات والملذات.
* مجاهدة
النفس وتزكيتها، بالإكثار من الفرائض والعبادات، وترويضها على الإعتدال فى
الإنفاق.
* ترشيد
إستهلاك الموارد والمرافق، والمحافظة عليها وإستخدامها بطريقة صحيحة.
* نشر
القيم الإسلامية وفضائل الأخلاق بين الناس، التى تقوم سلوكياتهم وتحثهم على التوسط
والإعتدال فى الإنفاق.
* الإنفاق
فى مجال الطيبات التى تعود على الإنسان بالمنفعة؛ كالزكاة وكل أنواع الصدقات والبعد
عن الإنفاق فى المحرمات التى تؤذي الإنسان فى الدنيا والآخرة.
تعليقات
إرسال تعليق