مفهوم الشائعات وخطورتها وكيفية التعامل معها
إن الشائعات من أخطر الأمور فتكًا بالمجتمعات؛ لما لها من أضرار جسيمة، فمن الشائعات ما أطلقه البعض وتداوله الناس ففرق بين الأحبة، وفكك أُسر ودمر مجتمعات، أو كان سببًا فى نشر الحسد والبغضاء والتنافر بين الناس، ومنها ماأشعل نار الفتنة بين الجماعات، أو فرق بين الأهل أو الأصدقاء ونزع الثقة فيما بينهم، ومنها ما أضعف المودة فى قلوب البشر تجاه بعضهم البعض.
مفهوم الشائعات
الشائعات هى أخبار زائفة أو قصص ومعلومات كاذبة أو مُبالغ فيها، تنتشر فى المجتمع بشكلٍ سريع، ويتم تداولها بين الناس دون التحري والتأكد من صحتها، ودائمًا ما تكون هذه الأخبار والمعلومات شيقة ومُثيرة لفضول الناس والباحثين.
وتفتقر الشائعات إلى المصدر الموثوق فيه الذى يحمل أدلة على صحتها، تبدأ ببعض كلمات بسيطة ثم تزيد وتكبر أثناء مراحل إنتقالها بين الناس حسب ثقافاتهم وقدراتهم العقلية والعلمية.
فهى من أخطر الآفات التى تؤرق المجتمعات؛ حيث تنتشر بسرعة البرق، حاملةً معها أسباب الفُرقة والفتنة وزعزعة الثقة والشك والخلافات والنزاعات.
عوامل إنتشار الشائعات
1- تنتشر الشائعات بسرعة أو بصورة أكبر فى المجتمعات التى ينتشر فيها الجهل وتفتقر إلى العلم والعلماء، وذلك نظرًا لسهولة إنتشار الأكاذيب وتصديقها فى مثل هذه المجتمعات، فالمجتمع الجاهل بيئة خصبة لترويج الشائعات.
2- إنتشار وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإتصالات الحديثة، تُعد سببًا قويًا فى إنتشار الشائعات فهى تقوم بنشر ونقل المعلومات فى وقت قصير جدًا وبكل سهولة ويُسر، مما يزيد من صعوبة التحقق من صحتها والتدقيق فيها ومراجعتها.
3- إنتشار البطالة وفراغ الأوقات لدى بعض الناس، يساعد على إنتشار الشائعات وترويج الأكاذيب، فالعقول الفارغة تمتلئ بالأكاذيب سريعًا، والأيدي العاطلة لأصحابها ألسنةً لاذعة وعاملة دون توقف.
4- إنتشار الأزمات والمشاكل له دورٌ هام فى نشر الشائعات، حيث تزداد حدة الشائعات فى أوقات الضغوط والأزمات التى يكون فيها الأشخاص عُرضة لتصديق أي شيء من الممكن أن يعطيهم بعض الأمل فى حل الأزمة، أو تفسير لأسباب هذه الأزمة.
5- فى بعض الأحيان تنتشر العديد من الشائعات نتيجة لقصص مُختلقة من وحي الخيال، حول قضيةٍ ما أو أزمةٍ معينة أو أي موضوع ذو أهمية فى المجتمع.
6- الشائعات سبب من أسباب إثارة الشغب فى المجتمعات، وعند حدوث الشغب يسهُل رواج الشائعات وإنتشارها.
7- غياب الأطراف المعنية أو المخولة بالرد على هذه الشائعات ومواجهتها، يساعد على إنتشارها وزيادة رواجها.
8- كثرة أعداء النجاح؛ فكلما زادت نجاحات الإنسان كلما كان مستهدفًا من منافسيه.
خطورة الشائعات وأثرها على المجتمع
1- تُعد الشائعات سببًا قويًا فى تدمير العلاقات الطيبة بين الناس؛ كالتفريق بين الأزواج، وتدمير البيوت وتشتيت الأسر، وإضاعة الحقوق وإثارة المشاكل.
2- لها آثار خطيرة من الممكن أن تقضي على مجتمعات بأكملها، فى حالة عدم مواجهتها والتصدي لها من قِبل الأطراف المعنية، كالظُلم الواقع على بعض الناس، مما يُحطم معنوياتهم ويُثير رغبتهم فى الإنتقام، والإنتقام دافع قوي لإرتكاب الجرائم.
3- إثارة الفتن الطائفية أو الدينية أو الإجتماعية فى المجتمع، مما يؤثر على التماسك المجتمعي.
4- للشائعات تأثير سلبي شديد على الصحة النفسية لمن يتعرضون لها، مثل: القلق والتوتر والخوف والذعر والإكتئاب، مما يؤثر على إستقرارهم النفسي وزعزعة الثقة بالنفس بالآخرين.
5- تساعد الشائعات على نشر الفتنة ومحاربة الخير، وظلم بعض الأشخاص أو الهيئات.
6- قد تتسبب فى فصل بعض الموظفين من أعمالهم، وضعف الإنتاج، وتعطيل مصالح البعض، وإضاعة حقوقهم.
وتزداد خطورة الشائعات إذا قام البعض بدعمها؛ مثل بعض المسئولين أو رجال الدين، حتى يصل الأمر فى بعض الأحيان لتفشيها فى المجتمع مما يصعب إبطالها.
أنواع الشائعات وأهدافها
*الشائعات بين أفراد الأسرة أو العائلة الواحدة، والتى تؤثر على الحالة النفسية لهؤلاء الأفراد، وتسبب لهم الإحباط وضعف الروح المعنوية وتزيد الشك بينهم، وقد ينتج عنها حالات الطلاق والإنفصال وتشريد الأطفال، وتفريق شمل العائلات ومقاطعة صلة الأرحام.
*شائعات صحية عن الأوبئة والأمراض؛ ظهور أمراض جديدة أو إنتشار ڤيروسات جديدة، كالشائعات المُبالغ فيها التى ظهرت وقت الإصابة بفيروس كورونا.
*شائعات العنف والتى تنتشر بسرعة؛ مثل الشائعات عن الحوادث والكوارث، وشائعات الشغب والتى يبرز فيها العنف والتعصب الشديد.
*شائعات الخداع؛ والتى تستخدم لتضليل المنافسين أو الأعداء.
*شائعات إقتصادية؛ مثل شائعات إرتفاع الأسعار ونقص المواد الأساسية.
*شائعات سياسية أو أمنية كما فى حالات الحروب والثورات والأزمات السياسية، والتى تستخدم فيها الشائعات كأداة للحرب النفسية وتهديد الأمن العام، وإستغلال الفوضى لصالح جهات معينة.
*شائعات إغلاق المدارس، وقطع مياه الشرب عن مناطق معينة، أو إنقطاع التيار الكهربائي.
*شائعات هدفها الربح المادي أو الكسب عن طريق تشويه سمعة المنافس، والتأثير على معنوياته والإضرار به.
متى تكون الشائعات أكثر ميلًا للتصديق؟
*قوة مصدر الشائعة: فإذا إنتشرت شائعة بين أفراد عائلةٍ ما، فمن الخطورة الشديدة أن يكون مصدر هذه الشائعة هو أفراد تلك العائلة، وكذلك إذا إنتشرت شائعة حول حكومة دولةٍ ما ويكون مصدرها هو أحد الأفراد المسئولين فى هذه الحكومة، فإن ذلك يجعل الشائعة أكثر تصديقًا وتقبُلًا من الناس.
*تعدد مصادر الشائعة: كلما تعددت مصادر الشائعة كلما زاد تقبُلها والميل لتصديقها.
*وجود جزء من الشائعة فى الواقع وله أساس من الصحة ولو بسيط أي حقيقي: فيبني عليه من يروج الشائعة من نسج خياله، ويميل الناس لتصديقها نظرًا لوجود جزء ملموس بالنسبة لهم.
كيفية التعامل مع الشائعات والحد من إنتشارها
-رفع مستوى الوعي بين أفراد المجتمع، وذلك بالقضاء على الجهل والإهتمام بالتعليم والمعرفة وتنوير العقول.
-عدم الإعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي كمصدر للمعلومات، والتعامل معها بحذرٍ شديد لأن لها دورٌ كبير فى نقل المعلومات الكاذبة والغير موثوق فيها.
-الرد على الشائعة من الجهات المخولة لذلك والتصدي لها فور نشرها ونفيها مباشرةً، لأن عدم الرد على الشائعة قد يُسهم فى تأكيدها وإنتشارها.
-توضيح الدوافع التى وراء الشائعة، وتحليل الشائعة والبحث عن مصدرها ومن يروجها، يساعد فى القضاء عليها.
-عدم تساهل المؤسسات وقطاعات الأعمال فى التعامل مع مروجي الشائعات، بل والإهتمام بعقوبة من ينشر شائعة قد تؤثر على العمل والإنتاج فى المؤسسة.
-إكتشاف الشائعات مبكرًا يؤدي إلى سرعة السيطرة والرد عليها، وبالتالي القضاء عليها قبل إنتشارها وكبر حجمها.
-يجب تعزيز الثقة بالنفس وعدم الغضب والإنفعال عند سماع الشائعات، لأن ذلك قد يكون أحد أهداف من يروجها.
-التحقق والتدقيق فيما نسمع من شائعات والبحث عن أدلة لها، قبل نقلها أو نشرها حتى لا نضر بالآخرين دون دليل ثابت.
-زيادة العمل والإنتاج للقضاء على البطالة وقتل أوقات الفراغ، التى يستغلها البعض فى نشر الشائعات والأكاذيب على سبيل الفكاهة والمرح، ثم يتم تداولها بين الناس وتتحول إلى حقيقة بعد مرور الوقت.
عقوبة نشر الشائعات فى الإسلام
إن نشر الشائعات من شأن المنافقين وضعاف النفوس، لذلك ألزم الإسلام المسلمين بالتثبت من الأخبار قبل بناء الأحكام عليها، كما أمر بحُسن الظن بالناس وضرورة التحقق من الخبر الغير موثوق فيه، وعدم الخوض فيما لا يعنينا ولا علم لنا به.
يدعو الإسلام إلى الصدق فى الأقوال والإخلاص فى الأعمال، كما يدعو إلى ضرورة التحقق والتبين فى نقل المعلومات قبل تداولها ونشرها بين الناس. فقال تعالى:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات : 6].
وحذر الإسلام من الكذب ومن العواقب السيئة من فضح الناس وكشف عوراتهم أو تتبعها، أو نشر الشائعات المسيئة للناس والتى تتسبب فى أذى الآخرين.
قد حرم الإسلام نشر الشائعات وترويجها، وتوعد الله من يفعل ذلك بالعقاب والعذاب الأليم فى الدنيا والآخرة. فقال تعالى:- {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور : 19].
ويقول رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام:- "إن الله كرِه لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال." صحيح البخاري.
وفى هذا الحديث الشريف بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل كرِه لعباده الوقوع في مثل هذه الأمور ومنها: "قيل وقال"، أي: الإكثار من الكلام بلا ضرورة، أو حكاية شيءٍ لا يعلم صحته، أو الكلام فيما يضر ولا ينفع.
تعليقات
إرسال تعليق