القائمة الرئيسية

الصفحات

الصبر على البلاء والرضا بالقضاء

 

الصبر على البلاء والرضا بالقضاء


الصبر على البلاء والرضا بالقضاء 

قال تعالى: " إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (2) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (3) " سورة الإنسان


إن البلاء سُنة الله الجارية في خلقه؛ فهناك من يُبتلى بمرضٍ أو ضيق في الرزق أو نقصٍ فى الأموال والأنفس، فقد قضى الله عز وجل على كل إنسان نصيبه من البلاء، وهناك من يُبتلى ويصبر على إبتلائه وهناك من يجزع ويتسخط.


إن الله سبحانه وتعالى يبتلي خلقه ليهذبهم لا ليعذبهم، ربما يكون البلاء تكفير للإنسان عن ذنوبه ومعاصيه، مما يُخفف عنه يوم القيامة.


وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله يقول (ما ابتلي عبد ببلاء وهو على طريقة يكرهها إلا جعل الله ذلك البلاء كفارة له وطهورًا ما لم ينزل ما أصابه من البلاء أو يدعو غير الله في كشفه).رواه ابن أبي الدنيا وحسنه الألباني.


فكل ما يصيب المسلم من هم أو حزن أو أذى أو مرض يكفر الله به من خطاياه، إلى أن يأتي يوم القيامة ويتمنى الإنسان لو أنه أُبتلي المزيد من الإبتلاءات في الدنيا كي يُكفر بها الله ذنوبه ومعاصيه.


ما أبتلى  الله عبداً ببلاءٍ إلا وكان ذلك دليلاً على حب الله لعبده، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 " إن الله إذا أحب قوماً إبتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط "  رواه الترمذي وحسنه الألباني.


·       حِكم  الإبتلاء وفوائده :


 - إن البلاء دليل على حب الله لعبده، فإن صبر على البلاء بلغ منزلة عالية في الآخرة برفقة النبي عليه الصلاة والسلام، فإن أشد الناس بلاءً هم الأنبياء ثم الصالحين ثم الأمثل فالأمثل، أصاب الله الصالحين حتى يصبروا وينالوا الدرجات العُلا ويعظم أجرهم حتى يكونوا قدوة حسنة لغيرهم فى الصبر والإحتساب. 


البلاء من قدر الله المحتوم، وقدر الله لا يأتي إلا بالخير، فمن رضي بقضاء الله وصبر ولم يجزع ذاق طعم الإيمان وحلاوته حتى هون الله عليه همه وأعانه على الصبر.


إن البلاء يأخذ الإنسان إلى الصبر وتفويض الأمر إلى الله وعدم اليأس من رحمة الله تعالى، ثم إلى التوكل والإستعانة بالله سبحانه وتعالى، فيحمد الله ويشكره ويرجو ثواب الله العظيم، وبذلك يكون حال المؤمن ما بين الإبتلاءات ونزول الرحمات حتى يلاقي الله تعالى، وكم في البلية من نعمة خفية، وليس معنى هذا أن نتمنى البلاء ولكن علينا أن نسأل الله العفو والعافية.


بيان الفرق بين حقيقة المؤمن والمنافق، فإذا نزل البلاء بإنسان فإنه يتضح الخبيث من الطيب، فكل إنسان يبدو على حقيقته فإن كان مؤمناً صبر على الإبتلاء واجتاز المحنة، وإن كان منافقاً سخط وأعترض.


فلا يصح أن يعبد الناس ربهم في السراء عندما ينعموا بنعمه، ويسخطون ويعترضون في الضراء إذا أصابهم هم أو مرض أو فقر ...إلخ، والحقيقة أن البلاء يُعد نعمة وليس نقمة لا يعرف المؤمن قيمتها في الدنيا، ولكن إذا أتى يوم القيامة ورأى الصبر على البلاء وهو يطيح بذنوبه، فوقتها يتمنى لو كانت حياته أكثر إبتلاءً.


تكفير الذنوب ومحو السيئات، فالإبتلاءات التي تصيب المؤمن فيصبر عليها هي سبب لتطهيره من الذنوب وتنقيته من السيئات.


رفع الدرجات في الدنيا والآخرة، فلا يبلغ المؤمن المنازل والدرجات العُلا في الآخرة بعمله فقط، وإنما إذا إبتلاه الله وصبر على الإبتلاء ورضي بقضاء ربه، فقد نجح في الإختبار وبلغ الدرجات العُلا.


فتح باب التوبة والذُل والإنكسار بين يدي الله، وتقوية صلة العبد بربه  وقربه منه والدعاء له والإستغفار حتى يُفرج الله همه.


·       معنى الصبر على البلاء :

*  الصبر هو صفة واجبة يجب أن يتحلى بها المؤمن، وهو من صفات الأنبياء وحث عليه القرآن الكريم والسُنة النبوية الشريفة، وهو حبس النفس عن فعل شئ أحله الله للإنسان طاعةً لله تعالى وأراد به مرضاة الله والتقرب إليه، كما أنه مجاهدة النفس للإبتعاد عن المحرمات إلتزاماً لنواهيه، ويكون الصبر بالإستعانة بالله تعالى أي أن الصبر يكون بالله ومن عند الله كما قال تعالى: "واصبر وما صبرك إلا بالله"، كما أن يكون الدافع للصبر هو محبة الله وإبتغاء وجهه الكريم لا لإظهار قوة النفس. 


ويظهر هذا المعنى واضحاً في شهر رمضان شهر الصوم وحبس النفس عن الشهوات، فالصوم يُعلم المسلم حبس  النفس عن المعاصي التى حرمها الله وكذلك حبسها بعض الوقت عن شهواته وغرائزه التي أُحلت له، وحبس نفسه عن الهوى والسيطرة عليها من الزلات والسير وراء الشهوات بدافع مرضاة الله سبحانه وتعالى. 


*  أما الصبر على البلاء فهو الصمود والثبات على تحمل كل ما هو مؤلم للنفس، دون إظهار ملامح الإستياء والإنفعال على الوجه بحيث يراها أو يشعر بها الآخرين لحظة وقوع الشدائد والمصائب.


فالصبر على البلاء يعني الإبتعاد عن إظهار الإعتراض عندما يُعاني الإنسان من مرارة الإبتلاء وصعوبته، بل يترك الإنسان الشكوى لغير الله ويحبس لسانه عن الشكوى للناس ويحبس جوارحه ويُهذبها، بالوقوف على البلاء بحُسن الأدب وحُسن الظن بالله والرضا والشكر.


وصف الله سبحانه و تعالى عباده المؤمنين فقال في كتابه العزيز " الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَىٰ مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ " سورة الحج الآية ٣٥، وكما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: " إنما الصبر عند الصدمة الأولى" رواه البخاري .

 

*   أنواع الصبر :

الصبر يكون على ضروب ثلاثة :-

الصبر على المعاصي، والصبر على الطاعات، والصبر عند الشدائد والإبتلاءات. 

فعلينا حبس النفس عن الشهوات التي تطلبها فلا نقع في المعاصي، والصبر على مشقة الطاعات فنؤديها فننال الحسنات والثواب، ونصبر ولا نجزع عند الشدائد والإبتلاءات.

فالصبر يضبط النفس عن الإندفاع وراء أهوائها وشهواتها وغرائزها، كما يضبطها لتحمل المتاعب والمشقات والآلام ويضبطها أيضاً عن الضجر والجزع عند حلول المصائب والشدائد.


١- الصبر على المعاصي:-

وهو كف النفس عن إرتكاب المعاصي، والسلامة والعفة من الوقوع فيما حرم الله قولاً وفعلاً، والإقلاع عنها حتى لو وقع فيها والإسراع بالتوبة عنها. 


٢- الصبر على الطاعات:-

وهو بالمحافظة والمداومة على آداء الطاعات، وتحمل صعوبتها والتجلد لمشقتها، وجهاد النفس للكسل فى آداء العبادات كالصلاة والجهاد في سبيل الله، أو مقاومة النفس للبُخل عند آداء الزكاة والحج. 


٣- الصبر على البلاء والمصائب:-

وهو الصبر على قضاء الله وقدره مع الرضا به، كنقص الأنفس والأموال أو زوال الصحة وغيرها من البلاءات الأخرى، والصبر فى هذه الحالة هو من أعلى المقامات، لأنه بمثابة إختبار من الله لعبده فى الدنيا، ورضا العبد بقضاء الله وقدره وعدم الجزع والسخط، ولا يعترض على قضاء الله وقدره ويتوكل على ربه ويحتسب الأجر والثواب عند الله، ويفوض أمره لله تعالى ولا يتسخط،  فيستحق بذلك البُشرى من الله بثواب الآخرة. 

وكما قال تعالى: "ولنبلونكم بشئٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين

(الآية ١٥٥ من سورة البقرة)


 

·       الأمور التي تخفف البلاء على المُبتَلى وتُسكن الحزن وتُزيل الهم وتُريح القلب :

 * الدعاء والصلاة والصدقة وتلاوة القرآن والإستغفار؛ فلا يرُد القضاء إلا الدعاء، فإن الدعاء من أعظم أسباب دفع البلاء قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه، كما أن تلاوة القرآن الكريم تُطمئن القلوب وتُهدأ النفس، "ألا بذكر الله تطمئن القلوب"، وكما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " داووا مرضاكم بالصدقة "، فإعطاء المحتاجين وكثرة التصدق على الفقراء قد يكون سبباً فى جلب الرزق والشفاء من المرض. 


والرجوع إلى الله واللجوء إليه والتوبة عن المعاصي تدفع البلاء بإذن الله تعالى. 

كما أن هناك أشياء تساعد الإنسان على الصبر على المعاصي:-

    * الخوف من الله تعالى بإستشعار وجود الله ومراقبته والإستحياء من أن يراه الله على معصية.

* الإيمان واليقين بالموت والحساب واليوم الآخر يجعل الإنسان يتذكر دائماً آخرته، فيعف نفسه عن تلويثها بالذنوب والمعاصي. 

* تذكر نعم الله على العبد وشكره وحمده عليها وعدم الكِبر والإفتخار بها، وعلمه بأن الخوض فى المعصية سيكون سبباً فى زوال تلك النعم الكبيرة. 


إن كان الإبتلاء نتيجة لفعل الذنوب والمعاصي، فيكون هذا الإبتلاء عقوبة مُعجلة أراد الله بها أن يرد عبده العاصي إليه ويُحثه على ترك المعصية، والتوبة والرجوع الى الله.


فالإبتلاء سواءً أكان بسبب صلاح الدين أو بسبب فعل الذنوب فهو خيراً إما بالصبر وبلوغ المنزلة العليا في الآخرة أو بتعجيل العقوبة في الدنيا وتخفيفها.


وَعَنْ أبي يَحْيَى صُهَيْبِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ. رواه مسلم.


فالمؤمن بصبره على هذا الإبتلاء يحقق عبوديته الحقة الصادقة لله سبحانه وتعالى، وذلك بصبره لحظة وقوع الإبتلاء وإحتسابه وتفويض الأمر لله عز وجل، وشكره لله ودعائه له، كما يصل بصبره إلى محبة الله تعالى ونصره له، وينال الرحمة والمغفرة والهداية والأجر الجزيل ثم دخول الجنة بإذن الله تعالى. 


ومن أعظم الأمثلة على الصبر على البلاء قصة سيدنا ونبينا "أيوب" عليه السلام، واسم "أيوب" كلما تسمعه الأُذُن يتمثل للسامع الصبر الجميل فى أعلى درجاته وأروع حالاته، فهو مضرب المثل بصبره وبإيمانه الذي جاوز حدود الصبر، أعطى الله "أيوب" الكثير من نعم الدنيا وبهجة الحياة، من مال وزوجة صالحة وأبناء وبنات، وجاهد"أيوب" عليه السلام مع قومه وصبر وتحمل منهم الكثير، ثم ابتلاه الله ببلاءٍ شديد وأتى هذا البلاء على صور متعددة ومتتابعة، ففقد ماله وأبنائه ثم مرض مرضاً شديداً أصاب جسده كله فيما عدا قلبه ولسانه، واختبره الله هل يكون صابراً فى الضراء كما كان صابراً فى السراء، وعندما اشتد البلاء ازداد صبراً وإيماناً، فسجد ودعا ربه وهو صابراً سنوات طويلة على البلاء وقال: "أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين" فاستجاب له ربه وشفاه ورد له صحته وعافيته كما رزقه بالمال والأبناء. 

 


تعليقات

التنقل السريع