دور الأب في حياة الأبناء

دور الأب في حياة الأبناء

يعتقد الكثيرون أن تربية الأبناء مسؤولية خاصة بالمرأة ولا دور للرجل فيها، ويهملون دور الأب الهام فى حياة أبنائه، وهذا الإعتقاد بالطبع خاطئ، إن تربية الأبناء مُهمة عظيمة وصعبة فى نفس الوقت، ولا يجب أن يُلقى على عاتق المرأة فقط مسؤولية تربية الأبناء كاملةً، وذلك نظرًا لأهمية دور الأب فى تربية الأبناء، وفى بناء شخصية الطفل طوال مراحل النمو المختلفة بشكل متوازن وسليم.

فتربية الأبناء مُهمة عظيمة لكون الأبناء هم ثروة الآباء والأمهات الحقيقية، وهم ثمار ما زرعوه طوال حياتهما معًا، كما أنها صعبة لحرص الآباء والأمهات على تنشئة أبنائهما تنشئة سليمة على أُسس وقواعد صحيحة وقوية، والقيام بغرس الأخلاق الحميدة والمبادئ السامية فى نفوس الأبناء مُنذ الصغر. 

•  مسؤولية الأب فى تربية الأبناء 

إن وجود الأب فى حياة أبنائه يعني الحماية والرعاية والأمان، كما يعني القدوة والسُلطة والسند، فالأبناء يحتاجون إلى الشعور بالحماية والرعاية المختلفة عما يجدونه لدى الأم، حيث أن الأب هو الراعي الأساسي للأسرة، كما هو السند والدرع الواقي للزوجة نفسها ثم للأبناء، وهم بحاجة للإطمئنان والشعور بالأمان من جانب الأب، كما يحتاجون إلى رعاية الأم المُتمثلة فى الحب والحنان والدفء والعطاء، ورعايتهم من ناحية المأكل والملبس والنظافة والراحة. 

الأب مسؤولٌ عن رعيته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:- "كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته"، ووجوده ضروري كمُعلم ومُرشد وموجه لأبنائه، قدوة وخبرة وسند يعتمد عليه أبناؤه، وكلها عوامل هامة وضرورية فى تربية وإعداد الأبناء، ولا غنى عن دوره فى حياتهم، حتى ولو كان غيابه عنهم لسفرٍ أو لطلب الرزق، أو أيًا كان مُبرره، فوجود الأب فى حياة أبنائه أمرٌ هامٌ للغاية، وبرغم إختلاف دور الأب عن دور الأم فى التربية، إلا أن دور كلا منهما مُكملًا للآخر، ولا غنى لأحدهما عن الآخر حتى يتم التكامل الأسري. 

ولا يقتصر دور الأب على توفير المسكن والملبس والمأكل وكونه مصدرًا للمال فقط، لكن دوره يقتضي أن يُشارك الأم فى تربية الأبناء وفى بناء شخصياتهم وتوازنهم النفسي. 

•  أهمية دور الأب فى حياة الأبناء

يرى الطب النفسي ضرورة وجود الأب فى حياة أبنائه، والقيام بدوره العظيم لكي ينعم الأبناء بصحة نفسية سوية، وتحقيق الشعور بالإنتماء والطمأنينة الذى يساعدهم على حُسن التكيف والترابط الأسري، ومُشاركة الأم فى التربية، وإظهار المزيد من الحب والحنان من الأب والأم للأبناء وإمدادهم بالأمن والأمان والإنتماء و المساندة، وقيام كلا منهما بدوره حتى تكون تربيتهم سوية. 

1- التفاهم مع الأم وتقديرها وإحترامها، حيث يجب إحترام الوالدين لبعضهما البعض أمام الأبناء، مهما كانت الخلافات الموجودة بينهما، حتى لا تنعكس قلة الإحترام بينهما بالسلب على شخصية الأبناء، مما يتسبب فى فقدان الأبناء إحترامهم للوالدين. 

2- مهما تعددت مسؤوليات الأب خارج المنزل، فإن هذا لا يعفيه من مسؤوليته الأسرية وتواجده بين أبنائه ورعايتهم، إن وجود الأب بين أبنائه يتعلمون من تصرفاته وسلوكياته، يُعدّ بمثابة تعليم فعلي وعملي لهم، ليقتدون به ويكون مثلهم الأعلى فى الأخلاق والسلوكيات. 

3- إرشاد الأب وتقويمه للأبناء يجعلهم على حذرٍ دائمٍ من الوقوع فى الخطأ، ويشعرهم بوجود رادعٍ لهم، وإستخدامه للشدة والحزم إلى جانب الرفق والتسامح، يساعده على وضع الحدود والثوابت التى لا يجب تخطيها أو تجاوزها، وبها يتعلم الأبناء ما يجب فعله وما لا يجب فعله عند مواجهة المشكلات فى حياتهم، والتصرف بحكمة تجاه كافة الأمور. 

4- الأب قدوة حسنة لأبنائه، يتعلم الأبناء مُنذ الصغر من الأب ويكتسبون منه العديد من الخبرات والتجارب، والمهارات الفنية، والسلوكيات والتصرفات والتعاملات، ولذلك يجب على الأب مراقبة تصرفاته والحرص على إتساق أفعاله مع أقواله، حتى  يُرسخ فيهم المبادئ السليمة والقواعد الثابتة فى نفوسهم. 

5- إقتراب الأب من أبنائه، بتمضية الوقت الكافي معهم وتعويدهم على أسلوب النقاش والحوار، ما يمنحهم الثقة بالنفس والإعتماد عليها، كما يمنحهم الشعور بالسند والظهر الذى يركنون إليه ويلجأون إليه، عندما يصعب عليهم الأمر ويحتاجون إلى مشورته ورأيه السديد، دون خوفٍ أو رهبةٍ منه. 

6- يُعد الأب مصدر الأمان والقوة والحماية للأبناء، ويقوم الأب بدورٍ هام كمحور دفاع وحماية للأسرة، يعتبر درعًا واقيًا لأفراد الأسرة ضد أي خطر خارجي يُهددها. 

7- يوفر الأب سُبل العيش والراحة لأبنائه، وتلبية إحتياجاتهم ورغباتهم المختلفة، كما يحبهم ويحنو  ولا ينقطع عطاؤه ويدعمهم ويقويهم ويساندهم. 

•  تهميش دور الأب فى الأسرة وتربية الأبناء 

- مسؤولية تربية الأبناء تقع على عاتق الأب والأم معًا، وفى حالة غياب الأب والتقصير فى دوره تجاه أبنائه، يعني هذا تهميش دوره فى حياة أسرته، وإذا كان يقبل التنازل عن دوره لصالح الأم، فهو بذلك يلغي وجوده فى حياة أبنائه، ويمحو شعورهم بأبوته ومكانته لديهم، ولا يصح أن يصبح الأب ضيفًا على بيته، ولا يعلم شيئًا عن أمور أبنائه ومشاكلهم، فتُخلق فجوة حقيقية بين الأب والأبناء مما يزيد مسافة البُعد بينهم، فتهميش دور الأب المعنوي وحصره فى التمويل فقط، له أثره البالغ فى حياة أبنائه، فلا شك أن هذا يُسبب شرخ فى أنفسهم وعدم إستقرار نفسي وعاطفي وإهتزاز فى شخصياتهم. 

- وهناك حالات خاصة ينفرد فيها أحد الوالدين بالقيام بمسؤولية تربية الأبناء بمفرده مثل:-

*حالات الإنفصال بين الأب والأم. 

*غياب الأب بالسفر إلى بلدٍ آخر بحثًا عن الرزق. 

*وفاة أحد الوالدين. 

- ولكن الطبيعي هو إلتزام كلا من الأب والأم بدورهم فى تربية الأبناء بالمشاركة فيما بينهما. 

- وتقع مسؤولية تهميش دور الأب على الأب نفسه، فالأب يُشارك الأم المسؤولية تجاه تربية الأبناء، والأب ذاته هو الذى فرط فى دوره لصالح الأم، إن الله سبحانه وتعالى قد أعطاه القوامة عليها وعلى الأسرة كلها، ومهما كانت مسؤولياته كبيرة فإن هذا لا يعفيه من المسؤولية تجاه أسرته، بل أن دوره لا يقل عن دور الأم فى الأهمية بالنسبة للأبناء، ومما لا شك فيه أن تخلي أحد الطرفين عن مسؤوليته، يجعل ميزان المنظومة التربوية يختل بالتأكيد. 

- عدم تحمل الأب المسؤولية وتخليه عن دوره فى مشاركة الأم فى تربية الأبناء، وعدم تعاونه معها فى حل مشاكلهم والإستماع إليها، أو إهماله لواجباته التربوية، مُعللًا ذلك بأنه مرهق من العمل، وأن وقته لا يكفي لعمله وراحته وتربية الأبناء، قد يؤدي إلى حدوث مشاكل عديدة داخل الأسرة بسبب تقصيره وعدم تعاونه. 

• أثر غياب الأب عن الأسرة وتربية الأبناء 

- وجود الأب داخل كيان الأسرة هو تواجد ضروري وحيوي، حيث يُمارس الأب عدة مهام قد تعجز الأم عن القيام بها، ولا تستطيع تعويض غياب الأب فيها. 

- أي تهاونٍ أو تفريطٍ أو تهميشٍ لدور الأب ومسؤوليته تجاه أبنائه، قد يؤدي إلى إنحلال الأسرة وإنحراف الأبناء،  أو إرتكابهم للجريمة. 

- قد يؤدي غياب الأب إلى سقوط الأبناء فى أحضان الغرباء وتأثرهم بهم مما يكون له عواقب وخيمة على حياتهم. 

- يعتبر الأب هو الأقرب لتمثيل "السلطة العقابية" أكثر من الأم، لأن الأم يغلب عليها عاطفة الحنان والتسامح مع الأبناء، بينما يقوم الأب بإرساء حدود السلوكيات لدى الأبناء، وتحديد الجائز أو المسموح به والممنوع، وبالتالي يقوم الأب بتحديد السلوكيات الإيجابية والسلبية ليتعلم الأبناء التمييز بينها. 

- شخصية الأب تتميز بالخشونة والتحكم والسيطرة والجدية والواقعية، وهذه السمات تخلق لدى الأبناء شعورًا بالهيبة والإحترام والإلتزام والخوف من العقاب، وربما لا تتسم شخصية الأم بتلك السمات القوية، نظرًا لتميزها بالرقة والتسامح والحب والحنان، لكن التربية السليمة تحتاج لوجود الشخصيتين بسماتهما المختلفة معًا، وكلا الدورين ضروريان لتربية الأبناء؛ "الشدة والحزم" إلى جانب "اللين والرفق". 

- الأب هو القائد والراعي الأساسي للأسرة، وقيادة وإدارة الأسرة أمرٌ هام يحتاج إلى كياسة ودراية ومعرفة، وذلك لمواجهة أي تحديات محيطة بالأسرة، وقد يؤثر غيابه وعدم القيام بمهامه فى حياة أبنائه، ويعرضهم للأخطار.