قصة سيدنا إبراهيم عليه السلام
سيدنا إبراهيم عليه السلام هو خليل الله، بمعنى أنه المُختار من الله تعالى، وهو "أبو الأنبياء" وأحد الرُسل أولي العزم، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام جميعًا، تتبعه الديانات السماوية الثلاثة ويوقرونه ويجلونه، لكن إبراهيم عليه السلام ليس يهوديًا ولا نصرانيًا، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران : 67]
بعث الله تعالى إبراهيم عليه السلام فى قومٍ قد تفشى فيهم الشرك والكفر وعبادة الأصنام، ليُعيد البشر إلى توحيد الله رب العالمين وعبادته، وهو إمام الناس وقدوتهم، وقد اختص الله ذريته بالنبوة، فالأنبياء جميعًا كانوا من نسله، وآخرهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ويُشار إلى أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان شبيه الخِلقة بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام، وقد رآه سيدنا محمد فى رحلة الإسراء والمعراج، والتقاه فى السماء السابعة وكان سيدنا إبراهيم مُسندًا ظهره إلى البيت المعمور، وتقترن أهم شعائر الدين الإسلامي بسيدنا إبراهيم كالصلاة والحج والأُضحية.
• ميلاد سيدنا إبراهيم عليه السلام
وُلِد سيدنا إبراهيم بأرض بابل بالعراق، فى عهد الملك الطاغية "نمرود بن كنعان" وهو ملك ظالم مُدعي الربوبية، وكان يجتمع حوله الكهنة والسحرة والمنجمون الذين يعرفوه ما يقع فى ملكه من أحداث، رأى نمرود فى منامه كأن كوكبًا طلع فذهب بضوء الشمس والقمر، ففزع مما رأى ودعا السحرة والكهنة، وسألهم فى ذلك فقالوا له:إنه يُولد فى بلدك هذه السنة غُلامٌ يُغير دين أهل الأرض، ويكون هلاكك وزوال ملكك على يديه، فأمر نمرود بذبح كل غُلام يُولد فى بلده فى تلك السنة وأمر بسجن جميع النساء الحوامل فى السجون، إلى أن تلد كل امرأة يُقتل وليدها، إلا إنه لم يعلم بحمل زوجة آزر لأنها كانت جارية صغيرة السن، لا يظن من يراها إنها قد بلغت مبلغ النساء، فتركها رجاله ولم تُسجن، حتى علم زوجها آزر بحملها فأخفاها فى كهفٍ بعيدٍ عن المدينة خوفًا من قتل طفلهما، حتى ولدت إبراهيم ونما الطفل نمواً سريعاً ليس كنمو الأطفال المُعتاد.
• نشأة سيدنا إبراهيم عليه السلام
كان أبوه آزر نجاراً يصنع التماثيل والأصنام من أخشاب الأشجار، كان إبراهيم يكره الأصنام مُنذ صغره ويعتقد بوجود خالقٍ عظيمٍ وربٍ واحدٍ لهذا الكون، وتوجه لعبادة الله الواحد الأحد خالق السماوات والأرض وما بينهما، وكان كثير التأمل والتفكر فى الإله الخالق، فكان يتأمل النجم البراق وسط الظلام فيقول: هذا ربي، حتى إذا غرب النجم وأفل فيقول: إني لا أحب الآفلين، وبقي يرقب النجوم حتى رأى القمر بازغاً بنوره وجماله فقال: هذا ربي إلى أن غاب عن نظره فقال: لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين، وظل تائهاً فى تأملاته وأفكاره حتى طلعت الشمس بنورها الساطع فقال: هذا ربي هذا أكبر! وظل يُسبح لها حتى غابت فقال: يا قوم إني برئٌ مما تشركون. يقول الله تعالى:
{وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78)} [الأنعام : 75-78].
ومرت الأيام على إبراهيم وهو يرى أباه يقضي وقته فى صناعة الأصنام التى يعبدها هو وقومه، فتتألم نفسه ويقول لأبيه: لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئاً؟
وكان آزر يأمر إبراهيم بأخذ هذه الأصنام التى يصنعها ليبيعها فى الأسواق، إلا أن إبراهيم كان يستهزئ بهذه الأصنام، ولا يؤمن بها كآلهة مثل إعتقاد أبيه وقومه، وكان أبوه يُعنفه على إستهزائه بآلهتهم، فكان إبراهيم يصعد وحده فوق الجبل حيث يقضي يومه يتعبد لخالقه ويفكر فيه ليعرفه ويهدي قومه إليه، إلى أن أوحى الله إلى إبراهيم بالحق وأشاع فى قلبه نور الإيمان.
• دعوة إبراهيم لقومه وقصة تحطيم الأصنام
دعا إبراهيم قومه لترك عبادة الأصنام وإلى توحيد الله، ولم يستجيبوا له، استمر إبراهيم ولم يكف عن نهي الناس عن عبادة الأصنام، وحثهم على تركها ليعبدوا الله وحده لا شريك له، حتى فشا أمره فى المدينة، وهدده أبوه وتوعده بالضرب والرجم إذا أصر على ما هو عليه.
حتى جاء يوم العيد الذى يُقام فيه الإحتفال ببيت الآلهة، ويحضره جميع الناس تقرباً لها، نظر إبراهيم إليهم والكره يملأ قلبه لهم ولآلهتهم، حطم إبراهيم الأصنام فى يوم عيدهم، وترك كبير الأصنام قائماً وعلق الفأس الذى إستخدمه فى تحطيم الأصنام فى عنقه، ليقيم الحُجة على قومه، أن الأصنام لا تنفع ولا تضر ولا تنطق ولا تستطيع حتى الدفاع عن نفسها، ثم ترك المكان وانصرف.
دُهش القوم لما حدث لأصنامهم، وتسألوا: من فعل هذا بآلهتنا؟! فأجاب بعضهم: سمعنا فتى يذكرهم يُقال له إبراهيم، وأجمع القوم على إتهام إبراهيم، وأخبروا ملكهم بما فعل إبراهيم بآلهتهم، وعندما سأله الملك والقوم: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟، فأشار إبراهيم إلى الصنم الكبير وقال:بل فعله كبيرهم هذا، فاسألوهم إن كانوا ينطقون.
لما بُهت القوم ولم يجدوا جواباً، بعد أن أثبت إبراهيم ضعف ما يعبدونه، أجمع القوم رأيهم على أن يحرقوا إبراهيم فى النار، أمر نمرود بسجن إبراهيم حتى يُجمع له الحطب الذى سيحرق به، وأقيمت المحرقة لإبراهيم على أرض فضاء واسعة خارج المدينة وأوقدت النار وتوهجت واشتعلت وتعالت ألسنتها حتى بلغت عنان السماء.
خرج أهل المدينة يتفرجون مُتشفين فى حرق إبراهيم، حفت الملائكة إبراهيم بأمر ربها وأوحت إليه بالإطمئنان والتشجيع، حتى صار على حافة النار فرفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم أنت الواحد فى السماء الذى يُعبد، وأنا الواحد فى الأرض الذى يعبدك، "حسبي الله ونعم الوكيل."
ثم قذفوه فى النار، لكن الله أمر النار بقدرته أن: يا نار؛ كوني برداً وسلاماً على إبراهيم!
{قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70)} [الأنبياء : 66-70].
وظلت النار أياماً تأكل حطبها، وأمر نمرود بإقامة الأصنام من جديد وقد استراحت نفسه لحرق إبراهيم، حتى جاء القوم إليه يقولون: إن إبراهيم ما زال قائماً بالنار ولم تأت عليه بعد!، فتعجب الملك من هذا القول حتى رأى إبراهيم يجلس داخل النار، وظل الملك قائماً فى مكانه إزاء النار، حتى أكلت حطبها وانطفأت، فإذا إبراهيم قائماً حياً لم يمسسه سوءٌ.
سأله الملك: لقد خُيل لنا أن معك فى النار شخصاً آخر يجلس بجانبك، فهل هذا حقاً؟!
أجاب إبراهيم: نعم؛ كان ذلك حقاً؛ إنه ملك أرسله إليّ ربي ليؤنس وحدتي ويزيل وحشتي ويُطمئن قلبي.
فاتبع ملة إبراهيم عليه السلام نفرٌ غير قليل. شكر إبراهيم عليه السلام ربه وسبح بحمده على ما أولاه من النعم.
• قصة الطيور الأربعة وإحياء الموتى
طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام من ربه أن يُريه بعين اليقين كيف يُحيي الموتى؟ فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة من الطير ويقوم بذبحها، وخلط لحومها وعظامها بدمها وريشها، ثم يوزع أجزاء هذا الخليط على الجبال، ووقف بحيث يرى تلك الأجزاء، ونادى للطيور فتجمعت الأشلاء وجاءته الطيور حية صحيحة وسليمة تمشي على الأرض وتطير فى الجو، يقول رب العالمين:
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 260].
ولم يكن طلب سيدنا إبراهيم عليه السلام من باب التشكيك فى قدرات الله تعالى، بل كان لزيادة اليقين.
شكر سيدنا إبراهيم ربه العزيز الحكيم، ثم هاجر وصحبه المؤمنون من بلادهم يمشون فى الأرض.
• هجرة سيدنا إبراهيم وبناء الكعبة المُشرفة
هاجر سيدنا إبراهيم عليه السلام وزوجته سارة إلى مصر، وهناك أهدى ملك مصر للسيدة سارة جارية تُدعى هاجر، فأهدتها لزوجها ليتزوجها ويُنجب منها، أنعم الله على إبراهيم ورزقه بالولد بعد زمنٍ طويل، رزقه بإسماعيل الولد البار بأبيه، أخذ إبراهيم عليه السلام السيدة هاجر وابنها إلى وادٍ فى الجزيرة العربية وتركهما هناك إمتثالاً لأمر الله تعالى، وحين نفد ما كان لديهما من الطعام والماء، وأخذ الطفل يصرخ من شدة العطش، سعت السيدة هاجر سبعة أشواطٍ بين جبلي الصفا والمروة وهى تدعو الله، وبعدها فجّر الله لها بئر زمزم لتروي طفلها وترتوي منه.
وبعد أربعة عشر سنة من ميلاد إسماعيل رزق الله إبراهيم بإبنه الثاني "إسحاق" من السيدة سارة، وكان عُمر سيدنا إبراهيم وقت ميلاد إسحاق مئة عام تقريباً.
ثم أمر الله إبراهيم عليه السلام ببناء الكعبة المُشرفة، فكان إسماعيل يجمع الحجارة ويأتي بها إلى أبيه، وكان إبراهيم يرفع البناء، بنى إبراهيم بمساعدة إسماعيل قواعد الكعبة المُشرفة، فلما فرغا من البناء أمر الله تعالى نبيه إبراهيم أن يؤذن فى الناس بالحج، بجانب الكعبة يوجد "مقام إبراهيم" وهو الحجر الذى قام من عليه بالآذان والنداء للحج بين الناس. يقول الله فى كتابه العزيز:
{وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج : 27]
تعليقات
إرسال تعليق