القائمة الرئيسية

الصفحات

الجوهرة الحمراء

الجوهرة الحمراء 

تقدم العديد من الشباب لخطبة الأميرة الجميلة إبنة الملك نُعمان، لكن الملك نُعمان قام برفضهم، إلا إثنان منهم وهما "سالم" و"مالك" كانا على قدرٍ من الوسامة والعلم والثقافة والحسب والنسب والمال التى يجب أن يتحلى بهم زوج الأميرة، تحير الملك فى المُفاضلة بينهما وإختيار الأنسب منهما ليكون زوجًا لإبنته الغالية، فكر الملك كثيرًا كيف يُفاضل بينهما؟ وكيف يستطيع أن يعلم من منهما الأحسن خُلقًا والأكثر أمانةً والأطيب مُعاملةً وعِشرةً؟ ليأتمنه على إبنته الأميرة الجميلة الغالية، حتى هداه تفكيره إلى فكرة وحيلة يستطيع بها تقييم الأفضل منهما والأنسب ليصبح زوجًا للأميرة.


حيلة زكية ووعد صريح 

أخبر الملك كلاً من سالم ومالك أنه سوف يزوج إبنته الأميرة لمن يستطيع منهما أن يُقدم لها المهر الذى يليق بها، استعد كلاهما لتقديم أي مهرٍ يطلبه الملك مهما كانت قيمته للزواج من الأميرة، وسألاه: وما هو المهر المطلوب؟، فأجاب الملك: "الجوهرة الحمراء"، تعجب الإثنان مما طلب الملك،  فأخبرهما الملك أن هذه الجوهرة الحمراء موجودة فقط لدى "الملك شيبان" فى الشمال وأن الوصول إلى مملكته يتطلب بذل الكثير من الجهد والوقت والمال مع التحلي بالصبر لتحمل مشقة الصعاب التى سوف تواجه كلاً منهما فى الطريق، وأن هذه الجوهرة الحمراء غالية الثمن ورائعة الجمال بما يكفي لأن تكون مهرًا للأميرة، وأنه يعلم جيداً أن تلك الجواهر الحمراء لا يوجد مثيلها فى أي مكانٍ آخر فى العالم، كما يعلم أيضاً أن الطريق للوصول لملك الشمال ليس بالسهل أو الهين إجتيازه، ووعد الملك نُعمان بأن من يأتي للأميرة بهذه الجوهرة الحمراء يستحق الزواج منها على الفور.


وافق كلاً من مالك وسالم على خوض التجربة والقيام بمحاولة جلب الجوهرة الحمراء. 

إنطلقا الشابان ليستعدا للقيام بالرحلة الشاقة، وتزود كلاً منهما بما يكفيه من الماء والطعام والمال  لمثل هذه الرحلة الطويلة إلى جانب الخيل والرجال الفُرسان المُسلحين اللازمين لحمايته. 


رحلة سالم

خرج سالم من بلده وسار فى طريقه مُتجهاً إلى الشمال، فوجد فى طريقه قبيلة "بني حيران" التى تسكُن على ضفاف النهر، وهى قبيلة صغيرة العدد رأهم سالم ورجاله وهم يعملون ويبنون معبراً فوق النهر، علم بنو حيران من سالم إنه فى طريقه إلى الملك شيبان فى الشمال، إستعان بنو حيران بسالم ومن معه ليساعدوهم فى إتمام بناء المعبر، حتى يتيسر لبني حيران الإنتقال بسهولة للضفة الأخرى من النهر والإتصال ببلاد الشمال وتبادل التجارة معهم دون عناء، حيث إنهم بدأوا البناء مُنذ وقتاً طويلاً ولم يستطيعوا الإنتهاء من البناء حتى الآن نظراً لقلة عددهم، فإذا ساعدهم سالم ورجاله فإنهم سوف يستطيعون إنجاز البناء بسرعة ويستطيع سالم أن يعبر النهر ليصل إلى مملكة الشمال فى وقتٍ قصير ودون مشقة،  وأخبروا سالم أن رحلته لما وراء النهر عن طريق الصحراء سوف يبذُل خلالها الكثير من الوقت والجهد وسوف يُعرض نفسه ومن معه لخطر قُطاع الطرق المُنتشرين فى تلك الطريق بكثرة، لكن سالم رفض هذا العرض واعتبر أن تعاونه مع بني حيران خسارة لوقته ومجهوده وأن هذا البناء لن يعود عليه بفائدة كبيرة، كما أنه يعتقد أن لديه قدرًا كافيًا من القوة والأسلحة والرجال لمواجهة قُطاع الطرق والتصدي لهم، وأنهم لن يستطيعوا النيل منه أو ممن معه لكثرة عددهم وأسلحتهم وقوتهم، ويأمر رجاله بالسير معه برًا فى طريق ما وراء النهر ويتركون قبيلة بني حيران لبنائهم دون تقديم أية مساعدة، ويستمر سالم فى رحلته فى الصحراء وقتًا طويلًا، حتى يقطع طريقه مجموعة من قُطاع الطرق، ويسلبونه ومن معه ما تبقى لديهم من زادٍ ومالٍ، ولم يستطع سالم ورجاله مقاومتهم خوفًا على حياتهم، ويتركونهم أحياءًا يواجهون مصيرهم فى الصحراء من غير ماءٍ ولا طعام، حتى يشتد  الجوع والعطش عليهم، ظل سالم يفكر كيف يتصرف؟ وقد قطع شوطًا كبيرًا من الطريق وأصبح على مشارف مملكة الشمال، فهل يُكمل رحلته لملك الشمال وقد فقد المال الذى كان سيشتري به الجوهرة الحمراء، أم أنه يعود إلى بلاده وقد خسر كل شيئ! وبينما هو غارقٌ فى تفكيره، حتى يخبره رجاله بأنهم يرون قافلة تجارية قادمة نحوهم قاصدة  الشمال ومُحملة بالخيرات الكثيرة، يُفكر سالم قليلاً ثم يأمر رجاله بالتربص للقافلة والسطو عليها، حيث لا يجد مفراً من حيرته غير ذلك، وأعتقد أن هذا هو الحل الوحيد حتى يُتم  رحلته ومعه مالاً لشراء الجوهرة الحمراء، ولا يضيع مجهوده هباءًا، وبالفعل يقوم هو وأعوانه بقطع طريق القافلة والإستيلاء على ما فيها من بضائع وأموال، وكل ما لديهم حتى الماء والطعام ليعوض خسارته ويستعيد ماله وقوته، دون أن يُفكر فى عقاب الله على شر فعله وسوء عمله مع من لا ذنب لهم فيما حدث له، وبعد إستيلائه على المال واصل سيره حتى وصل إلى ملك الشمال. 


رحلة مالك

يتزود مالك بالرجال والعتاد وبالمال والزاد والزواد، ويستودع أهله ثم ينطلق خارج البلاد قاصدًا مملكة الشمال، حتى يقابل فى طريقه قبيلة بني حيران القاطنة على ضفاف النهر وهم يبنون المعبر، فيطلبون من مالك أيضاً ما طلبوه من سالم سابقاً، وهو أن يُعاونهم فى إستكمال البناء، يُفكر مالك قليلاً فيرى أنه من الحكمة أن يقوم بمساعدة بني حيران فى بناء المعبر الذى سوف ييسر لهم العبور للضفة الأخرى من النهر والإتصال ببلاد الشمال وتبادل التجارة معهم ، فيكون بذلك قد فعل خيرًا ومد لهم يد العون والمساعدة إبتغاءًا لوجه الله تعالى، وفى نفس الوقت يستطيع الوصول إلى بلاد الشمال بسهولة ولا يتعرض هو ورجاله لخطر السير فى الصحراء فى طريقٍ غير آمنٍ وشاقٍ لمدةٍ طويلة. 


يقبل مالك مساعدة بني حيران ويأمر رجاله بالبدء فى البناء، ويساعد فى العمل بيديه معهم ويمكُث لديهم بعض الوقت حتى يكتمل بناء المعبر. 


يسعد بنو حيران بإستكمال بناء المعبر حتى يستطيعوا العيش فى رغدٍ ورخاء، ويقومون بتقديم الشكر لمالك ورجاله على جميل صُنعهم، ويُحملونهم بالهدايا من ما لذ وطاب من إنتاجهم الزراعي الوفير على ضفاف النهر ردًا للجميل، ويكون مالك ورجاله أول من يسير على المعبر الجديد للوصول لمملكة الشمال دون عناء. 


يعبر مالك ورجاله النهر بسهولة فوق المعبر الجديد ليستكمل رحلته، حتى يقابل أثناء سيره قافلة بني سلمان التى إعتدى عليها سالم وقد سلبهم أموالهم وبضائعهم وطعامهم وتركهم يُلاقون مصيرهم فى الصحراء، يستنجد أهل القافلة بمالك ورجاله لينقذوهم من الجوع والعطش، يقوم مالك بتعويض خسائرهم ويطعمهم من  خيرات بني حيران وهداياهم، فيشكرونه ويدعون له بتيسير أمره ونجاته ومن معه من شر الطريق، ثم يُكمل مالك سيره حتى يصل إلى الملك شيبان فى الشمال.


مقابلة الملك شيبان 

وصل سالم إلى الملك شيبان ملك الشمال، وأخبره أنه قادمٌ إليه من طرف الملك نُعمان وأنه يريد أن يشتري منه جوهرة حمراء، رحب الملك شيبان بسالم وأنزله ضيفًا فى قصره لحين النظر فى أمره. 


وفى اليوم التالي وصل مالك إلى قصر الملك شيبان، وأخبره أيضاً أنه قادم من طرف الملك نُعمان وأن سبب زيارته هو رغبته فى الحصول على الجوهرة الحمراء بأي ثمن، يبتسم الملك شيبان ويرحب بضيفه وينزله فى جناح مجاور لجناح سالم لحين تلبية رغبته. 


وفى المساء تصل قافلة بني سلمان إلى مملكة الشمال ويدخل كبارها وهم أبناء عمومة للملك شيبان ويخبرونه بما حدث لهم فى الطريق، وأنهم يريدون إسترداد حقوقهم من المعتدين، يدعو الملك شيبان  كل ضيوفه على مائدة العشاء. 


وحين إجتماع الجميع على مائدة واحدة، يثور أهل قافلة بني سلمان لوجود سالم على المائدة، ويخبرون الملك شيبان أن سالم ورجاله هم من قاموا بالإعتداء عليهم، وسرقة أموالهم وبضائعهم وطعامهم، وتركهم فى الصحراء دون ماءٍ ولا طعام حتى أنقذهم الله بشهامة مالك ورجاله، وأنهم لن يتنازلوا عن أخذ حقهم ممن ظلمهم وسرقهم، حاول الملك شيبان تهدئة ثورة بني سلمان لحين وضوح الأمر، فطلب الملك شيبان من سالم ومالك أن يعرف كيف كانت رحلتهما إليه بالتفصيل. 


وبعدما سمع الملك شيبان لما دار معهما خلال رحلتهما، قرر الملك سجن سالم وأعوانه عقابًا لهم على ما فعلوه مع بني سلمان، لقد رفض سالم مساعدة بني حيران حين استعانوا به، ثم تعرض للسطو والسرقة لعدم إستجابته لنصيحتهم وتحذيرهم له من خطورة طريق ما وراء النهر، ثم لم يحاول طلب النجدة  من بني سلمان أو غيرهم من القوافل المارة فى الطريق، لكنه سلك سلوكًا خاطئًا لسهولة تنفيذه بالنسبة له وقام بسرقتهم وتعويض خسارته على حساب الأبرياء الذين لا ذنب لهم فيما حدث له. 


ثم أعطى الملك شيبان الجوهرة الحمراء لمالك دون مُقابل، وذلك مكافأة له على تعاونه مع بني حيران بغير سابق معرفة بهم، بنية فعل الخير وتقديم النفع للغير، ثم مساعدته لبني سلمان حينما استغاثوا به، فلم يبخل بالمال ولا المجهود على أحدٍ خلال رحلته، شكر مالك الملك شيبان على كرمه وحُسن إستضافته وفرح وحمد الله على حصوله على الجوهرة الحمراء. 


عاد مالك ورجاله بالجوهرة الحمراء إلى بلده فى سلام، وقدم الجوهرة الحمراء للملك نُعمان مهرًا للأميرة. 

قبِل الملك نُعمان مهر إبنته من مالك ووافق على زواجه منها، وصارح مالك بأنه قام بوضعه هو وسالم تحت الإختبار فى هذه الرحلة الطويلة التى أعدها لهما بالإتفاق مع الملك شيبان، حتى يستطيع إختيار الزوج الصالح للأميرة الذى يستطيع تحمل المسؤولية،  ولم يكُن هدفه الحصول على الجوهرة الحمراء كما أخبرهما من قبل لكنها كانت مجرد حيلة زكية إستعملها فى إختبارهما. 


وقال الملك نُعمان لمالك: إن الحياة مليئة بالمشاكل والخلافات، وكان لابد وأن تطمئن نفسي لحُسن عِشرتك لإبنتي ومُساندتك لها طوال حياتكما معاً مهما تعرضتم لضغوط الحياة الصعبة، وإنك لن تتخلى عنها بسهولة عند مواجهة مصاعب الحياة، فمن كان شهمًا وأمينًا مع من لا يعرفهم ولم يبخل عليهم بماله ولا جهده ولا وقته ولم ينتظر منهم المقابل، بل فعل الخير إبتغاءًا لوجه الله تعالى، لابد أن يكون أمينًا على من يعرفهم ويتحمل مسؤوليتهم ويتقي الله فيهم، وأقيمت الأفراح وسعد الجميع بزواج مالك من الأميرة. 

تعليقات

التنقل السريع