القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة سيدنا موسى عليه السلام... الجزء الأول

قصة سيدنا موسى عليه السلام... الجزء الأول

قصة سيدنا موسى عليه السلام... الجزء الأول 

فى عصر فرعون مصر الذى طغى وتكبر ونشر الفساد فى الأرض، حتى أنه نصب نفسه إلهاً للناس فى الأرض، وكان حال بني إسرائيل فى هذا العصر حال ذُل وسُخرة وقتل للأبناء الذكور وإستحياء للإناث، ثم خفف فرعون الحُكم عن بني إسرائيل بأن يُقتل المواليد الذكور سنة ويتركوا سنة، وذلك حتى يتبقى من بني إسرائيل من يقومون بخدمة فرعون وأعمال الدولة.


موسى الرضيع 

وفى ذلك الحين كان "عمران" بن وهب من ولد يعقوب عليه السلام أحد بني إسرائيل وزوجته "يوكابد" قد أنجبا إبنتهما "مريم"، ثم قُتل بعد ذلك ما جاءهما من الأبناء الذكور بأمر فرعون، فلما جاء تخفيف الحُكم عن بني إسرائيل بقتل الأبناء الذكور سنة ويتركوا سنة، تُرك لهما ولد إسمه "هارون"، ثم حملت زوجته بعد ذلك وكان موعد ولادتها فى السنة التى يُقتل فيها الذكور، فأخفت حملها حتى تتبين نوع وليدها، وحان وقت الولادة فوضعت مولودًا ذكرًا، وتحيرت الأم كيف تخفي وليدها عن عيون رجال فرعون، وكانت تدعو ربها أن يحفظه لها وأن يُلهمها ما يُرشدها لحمايته، فأوحى الله إلى هذه الأم أن تُرضع طفلها وتُشبعه، ثم تضعه فى صندوق خشبي وتلقيه فى اليم "نهر النيل"، وكان وعد الله لها أنه سوف يرد ولدها إليها وأنه جاعله من المرسلين، وأشارت الأم إلى التابوت فى النهر وقالت لإبنتها: قُصّي أثره يا مريم. 


وكان وعد الله حقًا 

وتتبعت مريم بعينيها الصندوق وهى تسير بجوار الشاطئ، حتى قذف الموج الصندوق إلى جوار قصر فرعون، وانتشلته وصيفات القصر من النهر وحملنه إلى سيدتهن، والتف حولهن جمعٌ كبير من أهل القصر، ومريم تُجازف وتتبع الصندوق لتعرف مصير أخيها لتطمئن أمها. 


وفُتِح الصندوق ورأته "آسية" إمرأة فرعون وكانت لا تُنجب فقالت لفرعون: قُرة عينٍ لي ولك، لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا، حتى لان فرعون لإستعطاف زوجته وتركه لها قائلاً: قُرة عينٍ لك أنت أما أنا فليس بي حاجة إليه. 


وعادت مريم لتزُف لأمها هذه البُشرى الطيبة، وأتت المراضع للطفل الصغير الجائع، لكنه رفض كل ثدي قُدِم إليه، فتقدمت مريم من بين المراضع وقالت: هل أدُلُّكُم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم، وهم له ناصحون؟ وأخبرتهم الطفلة الصغيرة فى ذكاء: إنما هى رغبتهم فى خدمة الملك ورجاء مرضاته، فلما أُذِن لمريم أن تُحضر من أشارت إليه، أسرعت إلى أمها وأتت بها إلى قصر فرعون لتُرضع وليدها، ووُضِع الطفل بين يدي أمه فحملته بثباتٍ دون أن تُظهر لهفتها حتى لا يتبين أمرها ويعرف الحاضرين صلتها بالطفل، فالتقم ثديها ليسد جوعه ويروي عطشه. 


وفرحت آسية وعرضت على يوكابد أن تقيم فى القصر مع الطفل لكنها رفضت وقالت: لي زوج وأولاد، ولكن أعطيه لي فى منزلي أرضعه وأرعه لك، وسُمي الطفل "موسى" نسبة إلى وجوده بين الماء والشجر، وعادت الأم إلى بيتها مُحملة بالهدايا ومعها طفلها الذى ألقته فى النيل مُنذ يومين وأقر الله عينها بوليدها وكان وعد الله حقًا.

 {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9)} [القصص : 7-9]


وظل موسى مع أمه؛ تحبه وترعاه وتذهب به بين الحين والآخر لزيارة آسية وتتركه معها بعض الوقت لتداعبه ثم تأخذه وتعود به إلى بيتها،  وآسية ترعى موسى والأم بالنفقات والهبات، كما تشفع لبني إسرائيل لدى فرعون إكراماً لمرضعة موسى الذى أحبته واتخذته ولدًا، إلى أن جاوز موسى سن الرضاع فأوتي إلى قصر فرعون بأمر آسية، وظلت ترعى يوكابد وتعطف عليها وتسمح لها بزيارة موسى كلما أرادت وتسمح لموسى بزيارتها. 


جمرات حمراء مُتقدة وياقوتات  حمراء  براقة

وذات يومٍ دخلت آسية إلى فرعون حاملة موسى بين يديها وأجلسته على حجر فرعون، وكان موسى يضحك ويلعب مع آسية  لكن فرحه زال عنه أمام فرعون، ونظر الطفل إلى فرعون وأمسك بلحيته وجذبها بشدة حتى كادت تُقتلع من جذورها، ألقى فرعون الطفل بعيداً من شدة الألم، فتلقته آسية بين يديها، وصاح فرعون غاضبًا وأمر بذبح الطفل الإسرائيلي، روعت آسية لقول فرعون ثم أقبلت عليه تلاطفه وتخفف من غضبه خوفًا على الطفل، قائلةً: إنه طفلٌ صغير لا يعي ما يفعل ولا يعقله، وأجرت أمامه إختبارًا للطفل لتُثبت ما تقول، فأمرت بإحضار صندوق به ياقوتًا أحمر لامع وموقد به جمرًا أحمر مُتقد، ووضعتهما أمام موسى وقالت لفرعون: إن أخذ الجمر فهو لا يعقل واتركه، وإن أخذ الياقوت فاقتله، نظر موسى إلى الجمر والياقوت ثم مد يده وأمسك بجمرة وقذفها سريعًا فى فمه، فأسرعت آسية إليه لتمنع إحتراقه، وانصرف فرعون ونجا الطفل من القتل للمرة الثانية. 


وشبَّ موسى  الإسرائيلي ورُبِّي فى قصر فرعون عدو بني إسرائيل، وكبر وعرف قصته من أمه وعلم من هو أبوه ومن هى أمه، وأدرك العداوة التى بين بني إسرائيل وفرعون الطاغية الظالم. 


موسى وبنو إسرائيل 

وأصبح موسى رجلًا قوي الجسم، أسمر اللون، جعد الشعر، ولديه لكنة فى لسانه تعبث بألفاظه أحياناً، ووهبه الله علمًا وآتاه حُكمًا، وعُرِف بين الناس بقوته وبأسه ونصره للحق وإنصافه للمظلوم. 


اشتد بنو إسرائيل بموسى القوي وخافه المصريون، وكان من عادة موسى أن يخرج من قصر فرعون ويطوف بالمدينة، متفقدًا أحوال أهلها بعين العدل والرحمة، وذات يوم خرج موسى كعادته فوجد رجلين يتصارعان، وكان أحدهما مصري والآخر إسرائيلي، فاستغاث به الإسرائيلي من ظلم وقسوة المصري له، فتقدم موسى ليفض النزاع ويمنع المصري عن أذى الإسرائيلي، فوكزه وكزة سقط المصري على أثرها ميتًا على الأرض. 


ولم يُرد موسى قتل الرجل بينما كان يُريد ردع الظالم وأخذ حق المظلوم، ندم موسى على فعله واستغفر ربه تائبًا من الذنب الذى لم يقصده، وقال: رب، إني ظلمتُ نفسي، فاغفر لي، وأُوحي إلى موسى أن الله قد غفر له ذنبه، وبات موسى ليلته بالمدينة وأصبح وهو خائفًا، ثم خرج يترقب الأمر، فوجد نفس الرجل الإسرائيلي يقاتل رجلًا مصريًا آخر، وعندما رأى موسى استغاث به مرة ثانية، لكن موسى غضب منه قائلًا: إنك لغوي مُبين، رأى الإسرائيلي غضبة موسى وهو يتقدم ويدفع عنه المصري بالحسنى فأوجس  منه خِيفة، فقال: أتريد يا موسى أن تقتلني كما قتلت نفسًا بالأمس؟، وعلم المصري أن موسى هو قاتل المصري قتيل أمس، وانتشر الخبر فى المدينة وعرف الناس أن موسى هو القاتل، ورُفِع الأمر إلى فرعون فأمر بإحضار موسى والقصاص منه إن تبين أنه القاتل، فجاء رجلًا مُحذرًا وناصحًا لموسى أن يُغادر مصر هربًا من جنود فرعون.

 

خرج موسى من مصر مُتجهًا نحو الشرق، وطال به السير حتى حفيت قدماه، وكان يتغذى على أوراق الشجر، حتى وصل إلى أرض مدين بين الحجاز والشام. 


موسى وأهل مدين

أهل مدين كانوا من أبناء مدين بن إبراهيم عليه السلام، وكان بها أقوام طغى عليهم الكفر والفساد، وكانوا أهل تجارة وغنى لكنهم بخسوا الكيل ونقصوا الميزان، فأرسل الله لهم نبيه شعيبًا ليهديهم ويرشدهم إلى عبادة الله، وأمرهم أن يوفوا الكيل والميزان ولا يُفسدوا فى الأرض، لكنهم أعرضوا عنه واستصغروا أمره وهددوه وآذوه، فأهلكهم الله وأبادهم ونجا شُعيب ومن معه من المؤمنين، فتناسلوا ثم عمروا الأرض من جديد، دخل موسى أرض مدين ووصل إلى بئر ماءٍ فوجد جماعة من الرعاة يسقون دوابهم، ووجد فتاتين تبعدان الغنم عن الماء وعن الإختلاط بقُطعان الرعاة، فتعجب موسى من أمر الرجال وهم يتسابقون إلى الماء، بينما الفتاتان تستأخران عنه، فتقدم موسى يسألهما عن أمرهما؟ فأجابتاه: لا نسقي حتى يصدر الرُعاة وأن أبانا شيخٌ كبير، {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} [القصص : 23]. 


أدرك موسى ضعف هاتين الفتاتين أمام هؤلاء الرجال الأقوياء الذين استضعفوهما لشيخوخة أبيهما، تقدم موسى وسقى لهما وأزاح الرُعاة من طريقه، الذين أفسحوا له الطريق وأخلوا له السبيل لما رأوا من ملامح القوة والبأس التى تبدو عليه فسقى غنم الفتاتين، فشكرتاه على شهامته وجميل فعله، ثم عادت الفتاتان مُبكرتين إلى والدهما وقصتا له أمر الرجل الغريب وما فعله، فأمر إحداهما أن تعود له وتبلغه دعوة أبيها له ليجزيه أجر عمله،{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ۚ فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ ۖ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [القصص : 25]


فذهبت الفتاة إلى موسى فوجدته يستظل تحت شجرة، وبلغته دعوة أبيها، لبى موسى دعوة الشيخ وذهب مع الفتاة إلى بيتها، لكنه أمرها أن تمشي وراءه وتدله على الطريق لبيتها، برمي حجر صغير أمامه ليستدل به ويعرف الطريق وذلك عفة منه حتى لا يرى حركات جسمها لو سار خلفها، دخل موسى على الشيخ الكبير، فرحب به ثم سأله عن خطبه، فقص عليه القصص وأخبره بحاله وحال بني إسرائيل فى مصر، فقال الشيخ: لا تخف لقد نجوت من القوم الظالمين. 


قيل أن الشيخ الكبير هو نبي الله "شُعيب"، أُرسل شُعيب إلى أهل مدين ودعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن يتعاملوا بالعدل وألا يُخسروا الكيل والميزان، وكان فصيحًا مفوهًا ولُقب بخطيب الأنبياء لفصاحته وحلاوة عبارته وبلاغته فى دعوة قومه للإيمان.

 {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَىٰ أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ۖ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ ۖ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ ۚ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)} [القصص : 26-27]

 إقترحت إحدى الفتاتين على أبيها أن يستأجره فإنه قويٌ أمين، أحس الشيخ مقصد إبنته، فعرض على موسى أن يُزوجه إبنته على أن تكون خدمة موسى له ثماني سنوات مهرًا لها وإن أتم عشر سنوات فهى زيادة من عنده، ووافق موسى وتمت المُصاهرة بينهما، وتزوج موسى "صفورة" إبنة شُعيب، وكان لها نعم الزوج الرحيم كما كان لصهره نعم الإبن المطيع، وانقضى الأجل المتفق عليه بين موسى وصهره، وصار موسى حُرًا وحق له أن يستقل بنفسه، لكنه ظل يرعى شئون صهره ويقوم على قضاء حوائجه، ومرت السنون واشتاق موسى لرؤية أهله والعودة إلى مصر، فاستأذن صهره أن يعود إلى مصر بصحبة زوجته وولديه، فأذن له وأعطاه من ماله كل إنتاج أغنامه فى هذه السنة. 






تعليقات

التنقل السريع