القائمة الرئيسية

الصفحات

الحياة أخذ وعطاء.. قصص مؤثرة عن لذة العطاء

 



الحياة أخذ وعطاء

يتعلم الإنسان منذ صغره أخذ كل ما يبغاه، بينما تعلمه الحياة فيما بعد أن لكل شيءٍ ثمن، ومن يريد أن يأخذ لابد وأن يُعطي أولاً، ومن يريد أن يمتلك شيئاً ما عليه أن يدفع ثمنه.


العطاء والأخذ وجهان لعملة واحدة

كل عطاء يصحبه أخذ وكل مُعطي وله آخذ، ومن يتقبل الأخذ لابد وأن يُعطي، أي أن الأخذ والعطاء مكملان بعضهما البعض. 


العطاء صفة أخلاقية سامية وحميدة كما أنه عبادة، حيث تقديم العطايا والصدقات والمساعدات للمحتاجين والفقراء من أركان الإسلام وفروضه، كما أنه يحمي الإنسان من أنانيته، ويجعله يشعر بالآخرين ويكسبه قدرة على التفاعل و التعايش مع الناس والإحساس بهم، كما أن العطاء يمنح صاحبه الشعور بالرضا الذاتي الذى هو بدوره نعمة كبيرة من الله تعالى، ولا يتحتم معه رؤية الذُل والإنكسار فى عين من أعطى، ولا حتى إنتظار رد الجميل أو الشكر والثناء، وهذا هو العطاء من أجل العطاء فقط،  وهناك عطاء من أجل الأخذ أيضاً، كتبادل المصالح والمنافع المادية أو المعنوية.


لذة العطاء تفوق متعة الأخذ 

عندما يكون العطاء من أجل العطاء فقط، لا يعرف لذته سوى الكرماء والعظماء وأصحاب الأخلاق الحميدة السامية، لذة تمتلك وجدان المُعطي وتملأ نفسه وروحه، لترتقي النفس المعطاءة وتسمو بالچود والكرم دنيا وآخرة، فهى نفسٌ مُطمئنة سعيدة وراضية. 


ولذة العطاء مستمرة وباقية بدليل أنها تنفع الإنسان حتى بعد موته فيظل ينتفع من صدقةٍ جارية وعلمٍ ينتفغ به، كما ينتفع الناس منها ولو كانوا لا يعرفوه، أصحاب اليد العليا الذين إعتادوا العطاء بلا مقابل وفى الخفاء دون رياء، سعداء فى الدنيا ولهم أجرٌ عظيم فى الآخرة. 


أما متعة الأخذ فهى مادية بحتة وزائلة بالمقارنة بلذة العطاء، وهى متعة قد تكون فردية إلى حدٍ ما، وتُظهر الأنانية وحب الذات، وقد تزيد من رغبة النفس فى جمع المال وكنزه دون إنفاق وأحياناً تقوده إلى البُخل، بينما العطاء يتخطى الفردية ليعُم مجتمعات ويسعى لإسعاد الجميع، ولا يعرف لذته سوى الكرماء والعظماء وأصحاب الأخلاق الحميدة السامية، وهم لا ينتظرون مُقابل من أحد، ولكن يبتغون وجه الله الكريم ورضاه  بدعوة صالحة صادقة من نفسٍ محتاجة. 


أثر العطاء فى المجتمع

العطاء دون حب لا قيمة له، والأخذ دون إمتنان لا طعم له، يچود صاحب القلب الرحيم بالحب كما يچود بالمال،  فيقابله الآخذون بالشكر والإمتنان والدعوات الصالحة الصادقة بتمني الخير له ولمن يحب. 


عندما يرمي الناس الشجرة المُثمرة بالحجارة، يتساقط عليهم منها ثماراً حلوة المذاق، فالشجرة المثمرة هى المعطية ومظهر كمالها وجمالها ومنفعتها فى الوجود أن تهب ثمارها الحلوة الناضجة للناس، وهم الآخذون المستفيدون من ثمارها، فإذا هى أمسكت ثمارها على نفسها لحلاوتها، لكانت هذه الحلاوة نفسها سبباً فى عفنها وفسادها، فالمُعطي الصالح والصادق فى عطائه لا ينتظر رد الجميل أو الشكر والثناء أو الإشارة إليه حتى لو رُمي بالحجارة. 


يساعد العطاء على إنتشار المحبة والألفة بين الناس، كما يساعد على التخلص من البغض والكراهية. 


العطاء لا يجلب فقرًا ولو أعطى الإنسان كل ما يملك، فالكريم يزداد غنى بالعطاء والبخيل يزداد فقرًا بالأخذ، من زرع وبذل الجهد سوف يأتي وقت الحصاد ليجني ثمار تعبه. 


العطاء يمنح الإنسان عمراً ممتداً بقدر أعمار من أعطاهم من وقته وجهده ليرسم البهجة على وجوههم، كما يمنحه نوراً فى قلبه بقدر الأنوار التى بثها فى طريق الناس لينير لهم ظُلمات الحياة، ويمنحه صحة وعافية فى جسده بقدر ما تيسر له من علاج مرضى ليُشفوا من أمراضهم. 


صور العطاء كثيرة

ليس العطاء عطاء مالٍ فقط وإنما للعطاء صور عديدة، فالكلمة الطيبة صدقة وعطاء أيضاً،  يحتاج المسكين والفقير إليها كما يحتاج إلى المال، ربما يحتاج الضعفاء إلى كلماتٍ طيبة أو نصيحةٍ تدلهم على الخير أو تُزيل همومهم أكثر من المال، فالكلمة الطيبة مفتاح للقلوب، كما إنها إن أنارت طريقاً مُظلماً للناس فهى بذلك عطاء،  وزرع الأمل في نفوس اليائسين عطاء، والبسمة على شفاه محروم عطاء، والمساهمة فى علاج مريض ليصل للشفاء عطاء، وقضاء جزءاً من الوقت والجهد فى قضاء حاجات الناس أيضاً عطاء، والقيام بتعليم الناس أمور دينهم ودنياهم عطاء، والعطف والحنان على الضعفاء عطاء، وتقديم النصيحة بحكمة لمن يحتاجها فى وقتها عطاء، وإطعام الجائع عطاء، وكساء العاري ودفئه عطاء، كفالة اليتيم ومساعدة الأرملة عطاء.... إلخ. 


عطاء الأم بلا حدود وبلا مقابل

الأم هى مصدر الحب والحنان والعطاء، فهى تُسخر كل طاقاتها ولا تدخر جهداً فى رعاية أسرتها وتربية أبنائها، تتعب وتجتهد لتوفر الراحة لأبنائها، تتعب طوال النهار لخدمتهم ثم تنام ليلاً وهى مُرهقة إرهاقاً شديدًا، لتستيقظ من نومها فى جد ونشاط لعمل يومٍ جديد، دون أن تنتظر أي مُقابل لتضحياتها من أجل أبنائها سوى أن تراهم فى أحسن حال، الأم هى أعظم مثال للعطاء والإيثار الذى يُمنح بلا مقابل ويعطى بلا حدود. 


قصص مؤثرة عن لذة العطاء

1 – الخير الذى تُقدمه يعود إليك

يُحكى أن إمرأة كانت تصنع الخبز لأسرتها كل يوم، ثم تضع رغيفًا مما تصنع على نافذة البيت لأي فقير يمر ليأخذه، وكان فى كل يوم يمر رجلٌ أحدب فقير ويأخذ الرغيف الذى وضعته المرأة ثم يقول: "الخير الذى تُقدمه يعود إليك.. والشر الذى تُقدمه يعود إليك". 


وتكرر هذا الأمر مراراً وتكراراً، حتى ضاقت المرأة من ذلك الرجل الذى يأخذ الرغيف كل يومٍ ولا يقول لها كلمة شكر واحدة، سوى الكلمات الغامضة التى تسمعها ولا تفهمها. 


ضمرت المرأة فى نفسها نية التخلص من ذاك الرجل الذى يأخذ ولا يشكر، وفى صباح اليوم التالي قامت بإضافة السُم إلى رغيف الخبز الذى صنعته، لكنها تراجعت عن فعلها واستغفرت ربها على نيتها قبل وضع الرغيف على النافذة، وألقت الرغيف المسموم فى النار وأحرقته، ثم قامت بصنع رغيفًا جديد وأحسنت صنعه ثم وضعته على النافذة، ومر الرجل الأحدب كعادته وأخذ رغيف الخبز وهو يقول كلماته الغامضة المعتادة: "الخير الذى تُقدمه يعود إليك..والشر الذى تُقدمه يعود إليك" ثم انصرف. 


وكان لهذه المرأة إبنٌ غائب قد سافر منذ سنوات وانقطعت أخباره عنها، وهى كل يوم تصلي وتدعو ربها أن يرده إليها سالمًا. 


وبعد أن تخلصت المرأة من الرغيف المسموم وأعطت الرغيف السليم الذى أحسنت صنعه للأحدب، وفى مساء نفس اليوم دق باب بيتها فإذا بها تجد إبنها الغائب يدخل البيت بعد طول غياب، وتبدو على وجهه علامات التعب والإرهاق ويرتدي ملابس رثة وممزقة، وأخبر أمه أنه عاد بمعجزة من الله، وأنه كان يسير مسافة أميال حتى أشرف على الموت من شدة التعب والجوع، حتى مر به رجلٌ أحدب حاول مساعدته، فطلب منه أن يعطيه أي طعام معه ليتقوت به، واستجاب له الرجل الأحدب الطيب وأعطاه ما معه من طعام دون تردد، وكان طعام يومه هو رغيف من الخبز جيد الصنع فالتهمه الشاب الجائع وحمد الله وشكر الأحدب على عطيته، ثم استطاع أن يواصل السير حتى عاد إلى أمه. 


سمعت الأم حديث إبنها وهى ترتجف من شدة الفرحة بعودة ولدها إليها سالمًا، وحمدت ربها على تراجعها عن فعل الشر وتخلصها من الرغيف المسموم الذى صنعته صباح هذا اليوم، لأنها لو أتمت فعلتها لكان هذا هو طعام إبنها الغائب الذى كانت تتمنى عودته، وحينها أدركت معنى كلام الأحدب: "الخير الذى تُقدمه يعود إليك.. والشر الذى تُقدمه يعود إليك". 


2 – الزعيم غاندي وكمال العطاء

ذات يوم من الأيام خرج الزعيم غاندي متوجهًا إلى إحدى مدن الهند، محاولًا اللحاق بإحدى القطارات، وكان القطار قد بدأ بالتحرك قبل أن يصعد غاندي فيه، إنطلق غاندي مُسرعًا ليركب القطار، فسقطت منه إحدى فردتي حذائه أثناء ركوبه على سكة القطار، ركب غاندي القطار ثم خلع فردة حذائه الأخرى من قدمه، وأسرع برميها بجوار الفردة الأولى التى وقعت منه على سكة القطار، فتعجب من معه في القطار وسألوه عن سبب رميه لفردة الحذاء الأخرى بدلاً من نزوله لجلب الفردة الأولى؟. 


فأجابهم غاندي: لقد رميتها لأني أحببت للفقير الذى يجدها أن يسعد بالعثور على الفردتين معاً،لأن فردة واحدة معي لن تنفعني، وكذلك الفردة الأولى وحدها لن تنفعه، كان غاندي سعيدًا بعطائه كاملاً حتى ينتفع به الفقير، ورغم إحتياجه للحذاء إلا أنه فضل لذة العطاء. 


3- سعادتك بالعطاء تفوق متعتك بالأخذ

يُحكى أن تلميذًا كان يسير مع أستاذه ومُعلمه الفاضل بين الحقول والمزارع، وأثناء سيرهما معاً وجدا حذاءاً قديماً جداً، فظنا أن أن هذا الحذاء لابد أن يكون لأحد العمال الذين يعملون فى أحد الحقول القريبة وقد تركه صاحبه لحين الإنتهاء من عمله، فقال الفتى لأستاذه:أود أن أقوم بإخفاء هذا الحذاء عن صاحبه، ثم نختبئ خلف الأشجار وننتظر عودة صاحبه حتى نرى دهشته وحيرته لفقد حذائه، وهذا على سبيل المزاح معه وإدخال السعادة على أنفسنا. 


قال المُعلم الفاضل لتلميذه: "يا بُني؛ لا تقم بتسليتنا بأخذك شيئاً من الفقير فتتسبب فى ألمه وحزنه، إنك ميسور الحال والحمد لله ويمكنك أن تجلب لنفسك السعادة وفى نفس الوقت تُدخل البهجة على نفس هذا الفقير أيضاً. 


قال الفتى مُتلهفًا: وكيف أجلب السعادة لنفسي وله يا سيدي؟ 

قال المُعلم الفاضل: السعادة تكون بالعطاء لا بالأخذ يا ولدي، بإمكانك أن تعطيه ما استطعت من المال وتضعه فى حذائه بدلاً من أخذ حذائه، ونختبئ خلف الأشجار لنشاهد تأثير ذلك عليه. 


اقتنع الفتى بإقتراح مُعلمه وقام بوضع مبلغاً من المال داخل حذاء العامل ثم إختبأ هو وأستاذه خلف الأشجار، وبعد قليل جاء عامل فقير يرتدي ملابس قديمة بعد إنتهائه من عمله ليأخذ حذاءه، تفاجأ العامل عندما حاول إرتداء حذائه أن بداخله نقودًا، أخذ العامل الفقير النقود وخر على ركبتيه ساجدًا شكرًا لله تعالى على عطيته، وهو يبكي من شدة الفرح رافعًا يديه للسماء، يخاطب ربه قائلًا: "أعلم أنك كبير وعلى كل شيءٍ قدير، تعلم أني لا أملك ما أشتري به طعام أبنائي الجياع وعلاج زوجتي المريضة، فأعطيتني ورزقتني من حيث لا أعلم.. فلك الحمد ولك الشكر يا عظيم". 


شاهد الفتى وأستاذه ما حدث، بكى الفتى من شدة التأثر بفرحة الفقير بالعطاء. 


وحينذاك قال له مُعلمه الفاضل: "علمت يا بُني أن سعادتك بالعطاء كانت أكبر وأكثر فائدة من سعادتك بالأخذ!، إنك بالعطاء؛ جلبت السعادة للفقير كما ذُقت لذة العطاء، وأطعمت أبناءه، وساهمت فى علاج زوجته المريضة، ولك أجرٌ عظيم عند الله تعالى. 


قدموا الخير ولا تبخلوا وأكثروا من العطاء، ولا تنتظروا الشكر ممن أعطيتم، بل إحتسبوا الأجر والثواب عند الله تعالى. 





تعليقات

التنقل السريع