القائمة الرئيسية

الصفحات

العين والحسد

 العين والحسد

إن معاصي القلوب أشد   خطرًا وأفتك أثرًا من معاصي الجوارح ، فأمراض القلوب مدمرة ومهلكة، ولذلك ينبغي على كل إنسان أن يسعى فى البحث عن أسباب تزكية القلوب وتطهير النفوس من الأمراض، ومن أهم هذه الأمراض وأكثرها إنتشارًا؛ الحسد وهو من الأمراض القلبية التى تُصيب بعض الناس بسبب الغيرة وعدم الرضا بقدر الله عز وجل.

الحسد خُلق ذميم وطبع لئيم فيه إضرار بالبدن وفساد للدين، يتسبب الحسد فى أذى المحسود وسقمه، ويؤدي إلى كراهية الناس وعداوتهم للحاسد، لذلك أمرنا الله بالإستعاذة من شره فقال تعالى:-
 {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق : 1-5]. 

ويؤثر الحسد تأثيرًا سلبيًا على المجتمع؛ فينتج عنه العديد من المشاكل والمكايد والبغضاء والتقاطع والهجران وفساد العلاقات وتعثر المشروعات والتقاتل والإضرار بالآخرين. 

  • معنى الحسد فى الإسلام 

الحسد هو أول ذنبٍ عُصي الله به فى السماء، عندما حسد إبليس آدم عليه السلام حتى أُخرج من الجنة، وهو أول ذنبٍ عُصي الله به فى الأرض، عندما حسد قابيل "إبن آدم" أخاه هابيل حتى قتله. 

ثبت فى سُنن الترمذي وهو حديث صحيح عن الزبير بن العوام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- "دبَّ إليكم داءُ الأمم قبلكم؛ الحسد والبغضاء هى الحالقة، ليس حالقة الشعر لكن حالقة الدين، والذى نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنّبئكم بما يُثبِّت ذلك لكم، أفشوا السلام بينكم".

فى الحديث تحذير من داءٍ فتَّاك قد يُصيب قلب الإنسان فيضر نفسه وغيره، وهو الحسد والبغضاء، فيحسد أخاه ويتمنى زوال نعمته، ويبغض غيره ويعاديه، وهذين الداءين من أسوأ أمراض القلوب؛ كيف لقلبٍ مؤمنٍ إعتاد الإيمان والذِكر أن ينطوي على هذه الأمراض! فالحسد لا يزيد صاحبه إلا ألمًا وحسرةً، وعاقبته وخيمة ونهايته سيئة فى الدنيا والآخرة، ومن آثار هذين المرضين: قسوة القلب وإسوداده والإعتراض على قضاء الله وقدره، كما يتسببان فى تفريق الناس وفتح باب التقاطع وإنتشار الأذى. 

إفشاء السلام بين الناس يؤدي إلى نشر الحب والتصالح، ويقوي الروابط ويُعمق التواصل والتقارب والتآخي بينهم. 

أما الحسد والبغضاء يسبقان كل نزاعٍ أو خلاف أو قطيعة، وهذه المساوئ يفرح بها الأعداء ويُزينها الشيطان لتكون سببًا فى التفكك وتهبيط العزائم وتقليل الهمم. 

قال تعالى:- {وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ } [البقرة : 102]. 
أي أن السحر والحسد يكونان بلاءًا من الله عز وجل لعباده، ولا يستطيع الساحر ولا الحاسد أن يضر بهما أحدًا إلا بإذن الله وقضائه. 

  • ما الفرق بين الحسد والغبطة والعين؟

الحسد: هو كراهية النعمة التي أنعم الله بها على المحسود، ويشتهي هذه النعمة لنفسه مع تمني زوالها عن صاحبها، وإن لم يحصل للحاسد نفع من زوالها، وإنما هو يبغض النعمة التي أنعم الله بها على عبده "المحسود". 


الغبطة: هى حسد محمود وسُميت حسدًا مجازًا، وقد يجوز أن تُسمى منافسة، وهى أن يرى النعمة والحال الحسنة التى عليها المغبوط فيتمنى لنفسه مثلها، أي يتمنى مثل النعمة من غير حب زوالها عن صاحبها، والغبطة إن كانت من أمور الدنيا فهى مباحة وإن كانت طاعة فهى مستحبة، كما جاء فى الحديث الصحيح:- "لا حسد إلا فى إثنتين؛ رجلٌ آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار،  ورجلٌ آتاه الله مالًا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار". 


العين: هى سهام تخرج من نفس الحاسد نحو المحسود، فتصيبه أو لا تصيبه، فلو صادفت العين المحسود وهو غير مُحصن بالأذكار والقرآن تؤثر فيه وتؤذيه. 

عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- " إذا رأى أحدكم من نفسه أو ولده أو ماله أو من أخيه، ما يعجبه فليدع له بالبركة، فإن العين حق". ( رواه النسائي). 

أي: إذا رأى الإنسان من نفسه أو ولده أو ماله أو من أخيه، ما يعجبه فليدع له بالبركة فيقول: "بسم الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله اللهم بارك"، حتى يدفع ضرر العين، لإن الإعجاب دون التبرك قد تتولد عنه العين. 


إن الحسد يدمر الحياة، وقد يؤدي إلى الموت، فهو سبب مثل بقية الأسباب الموجودة في الكون، كلها تعمل أو لا تعمل حسب ما اقتضته إرادة الله عز وجل، وكل هذا لا يخرج عن كونه قدرًا من الله تعالى، ولا يعني أن الموت ليس بيده سبحانه وتعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم:- "العين تُدخل الرجل القبر والجمل القدر". 

وقال عليه الصلاة والسلام:- "أكثر ما يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره العين". (حسن إسناده إبن حجر، الألباني). 

إن العين إذا خرجت من العائن بقصد الضرر، ربما قتلت وكانت سببًا من أسباب المنية، فالمرء لا يصيبه إلا ما قدر الله له، وإن العين لا تسبق القدر ولكنها من القدر. 

  • خوف يعقوب عليه السلام على أبنائه من العين والحسد

أمر يعقوب عليه السلام أبناءه عند دخولهم مصر، ألا يدخلوا من بابٍ واحدٍ وليدخلوا من أبوابٍ متفرقةٍ، لأنه خشي عليهم أن تصيبهم العين من رؤية الناس لهم، لكثرتهم وبهاء منظرهم ولكونهم أبناء رجلٍ واحد. 

إن هذا الإحتراز لا يرد قضاء الله وقدره وإنما هو دفع إصابة العين عنهم. 


عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:- "العين حقٌ، ولو كان شيءٌ سابق القدر سبقته العين". (رواه مسلم) 

 أي لا شيء إلا ما قدره الله، وأن كل شيء من عينٍ وغيره إنما هو من قدر الله ومشيئته. 

العين حقٌ بمعنى أصابت فلانًا عين، إذا نظر إليه عدو أو حسود فأثرت فيه فمرض بسببها. 

  • علامات الحسد والعين 

أعراض الحسد:-
 تظهر على المال والبدن والأبناء بحسب مكوناتها، فإذا وقع الحسد على النفس يُصاب صاحبها بشيءٍ من أمراض النفس، كأن يُصد عن تلقي العلم ودراسته أو تقل درجة إستيعابه وتحصيله، وقد يُصاب بالميل للإنطواء والعزلة والإبتعاد عن الأهل والأصحاب، أو الشعور بكراهية من حوله، أو الشعور بالأرق والصداع الشديد، أو وجود شحوب فى الوجه وآلام فى المفاصل، وظهور مشاكل بدون أسباب كالمشاكل الزوجية مع عدم وجود حل لهذه المشاكل. 

أما أعراض العين:-
 فتكون غالباً كمرض من الأمراض العضوية، إلا أنها لا تستجيب إلى علاج الأطباء، كأمراض المفاصل، والخمول والأرق، وظهور حبوب وتقرحات على الجلد، أو كبعض الأمراض النفسية والعصبية؛ كالنفور من الأهل والبيت، الشعور بالضيق والتأوه والنسيان، ثقل فى مؤخرة الرأس والأكتاف، وخز فى الأطراف، حرارة البدن، برودة الأطراف. 

  • أسباب الحسد

*الإعجاب بالنفس والكِبر؛ حيث ينظر الحاسد للآخرين نظرة إنتقاص من ذواتهم، والإعتقاد بأنهم لا يستحقون هذه النعم ويتمنى زوالها عنهم. 

*خُبث النفس وبخلها بالخير للآخرين؛ فيكره النعمة لغيره. 

*حب الدنيا وعدم الرضا بقضاء الله وقدره، يجعل الحاسد معترض على عطايا الله للآخرين. 

*العداوة والكراهية تسبب الحقد على المحسود، إما لكراهيته وعداوته أو بسبب إساءته إليه. 

*حب السلطة والثناء عليه من الناس، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة. 

*سوء الأدب مع الله وضعف الإيمان بقضائه، وعدم العلم بصفات الله تعالى العادل فى عطائه لعباده، والكريم الجواد بنعمه على خلقه. 

*النظر إلى نعم الله على عباده بنظرة الإعجاب دون الدعاء بالبركة لصاحب النعمة، سبب في أذى الإصابة بالعين والحسد. 

*فضل الإنسان  وظهور النعمة عليه يُثير شعور الغيرة منه، وقد يتحول شعور الغيرة إلى الحسد. 

*المقارنة بين النفس والآخرين، وعدم التركيز في ما بين يديه من نعم ويمد عينيه إلى ما بين يدي الآخرين، دوافع للشعور بعدم الرضا وحسد الآخرين. 

  • الوقاية من الحسد وعلاجه 

*التحصين بالله والتعوذ به سبحانه من شر شياطين الإنس والجن.
*المواظبة على ذِكر الله، والصلاة على أوقاتها، والإكثار من الإستغفار والدعاء وقراءة القرآن الكريم وتدبره. 

*المداومة على أذكار الصباح والمساء، ومنها: "بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"، ثلاث مرات صباحًا ومساءًا. 
*تقوى الله عز وجل وفعل الطاعات والبعد عن المعاصي، قال تعالى:- إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا ۖ وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} [آل عمران : 120]. 

*دفع السيئة بالحسنة لصرف كيد الحاسدين، بمعنى ادفع بالسلام إساءة المسيئ، كما فى قوله تعالى:- {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت : 34]. 

وذلك بالكلمة الطيبة والصدقات وإطعام الطعام، قال تعالى:- أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [القصص : 54]. 

*الصبر على الأعداء وتحمل الأذى، والتوكل على الله؛ وذلك بالأخذ بالأسباب مع الإعتماد التام على الله، ليرد كيد الحاسدين وينصره، قال تعالى:- {... وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ... } [الطلاق : 3]. 

*عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:- كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال:- " يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيءٍ قد كتبه الله عليك، رُفعت الأقلام، وجفت الصحف".
*التداوي بالرقية الشرعية، وقراءة الفاتحة وبدايات سورة البقرة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة، وسورة الإخلاص والمعوذتين، عن أبي سعيد: أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد، اشتكيت؟ فقال: نعم، قال: بسم الله أرقيك، من كل شيءٍ يؤذيك، من شر كل نفسٍ أو عين حاسدٍ الله يشفيك، بسم الله أرقيك". (أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه). 

*إغتسال المحسود (المعيون) بماء وضوء العائن، فكأن أثر العين كشعلة نار وقعت على جسد المعيون، وفى الإغتسال بماء وضوء العائن إطفاء لتلك الشعلة، وإبطال عملها، فيبطل أثر العين، وذلك فى حالة أن العائن معلوم ومعروف. 





تعليقات

التنقل السريع