الإحسان
مشتق من "الحُسن" الذى هو جمال وبهاء كل ما يصدر من الإنسان من أقوال أو
أفعال، وهو أعلى مقامات الرفعة الإنسانية ومفتاح لكل أزماتها.
الإحسان
هو إكرام وإعطاء من لا يستحق، والعفو والسماح بدون إنتقام، أي أنه إكرام وعفو وإعطاء
فوق الإستحقاق الطبيعي والعادي مع صدق النية وإخلاصها للتقرب إلى الله تعالى.
المقصود
بالإحسان؛ أن العبد المُحسن يلزم نفسه ويزيد من عمله فوق ما فرض الله عليه من جنس
العمل.
مفهوم الإحسان فى الإسلام
أولى
الإسلام الإحسان عناية بالغة وجعله أسمى هدف تصبو إليه نفوس العباد، فهو طريق الوصول
إلى محبة الله تعالى ومعيته ورحمته.
الإحسان
يعني الترقي إلى أعلى الدرجات في العبودية والإيمان والعمل الصالح، لدرجة أن يترقى
العبد والله حاضر فى حياته.
الإنابة
هى دوام الرجوع إلى الله تعالى، سواء كان هذا الرجوع بالتوبة عن ذنبٍ فيرجع العبد إلى ربه ويتوب
إليه، أو بسبب تقصير بالتأخر عن الذكر أو قراءة القرآن، فيلتزم العبد الإنابة فيهديه
الله ويهبه الإحسان، أي أن الإنابة هى الطريق للوصول إلى الإحسان ودوام الإستحضار.
الإحسان يعني الإلتزام بتقوى الإيمان بالله وحده لا شريك له وبرسالة سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والإلتزام بجميع أركان الإيمان وأركان الإسلام.
"عن
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ
بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ
كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الإسْلامُ أَنْ
تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللّٰه، وَتُقِيمَ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ
رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، قَالَ:
صَدَقْتَ. فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ. قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ، قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ
وَشَرِّهِ" قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ، قَالَ: "أَنْ
تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ
يَرَاكَ". قال: صَدَقْتَ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ:" مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا
بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ"، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَاتِهَا، قَالَ: "أَنْ
تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ
الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ".ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثَ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ لِي: "يَا عُمَرُ، أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ"؟ قُلْتُ:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعَلْم. قَالَ: "فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ، أَتَاكُمْ
يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ".
[ رواه مسلم ].
الإحسان
له مرتبين؛ المرتبة الأولى: أن تعبد الله كأنك تراه، والمرتبة الثانية: أن تعبد
الله كأنه يراك، والمعنى: إذا لم تستطع أن تعبد الله كأنك تراه وتشاهده رأي العين،
فانزل إلى المرتبة الثانية وهى أن تعبده وأنت على يقين بأنه يراك، فالأولى عبادة رغبةٍ
وطمع والثانية عبادة خوفٍ ورهب.
أنواع الإحسان وصوره
1- الإحسان فى عبادة الله عز وجل:- وهو أن يأتي العبد بالواجبات على وجه الكمال، ويترك المحرمات، ويصبر على المقدورات، ويقوم بآداء العبادة أياً كان نوعها؛ صلاة أو صوم أو زكاة أو حج آداءً صحيحًا، بإستكمال شروطها وأركانها وإستيفاء سننها وآدابها.
2- الإحسان
إلى عباد الله:- وأولى عباد الله بالإحسان هم الوالدان والقيام ببرهما، وطاعتهما فى
غير معصية الله، وكف الأذى عنهما، والدعاء والإستغفار لهما، وإكرام صديقهما، قرن
الله تعالى الإحسان إلى الوالدين عبادته، فقال تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا
تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ
عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا
تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء : 23].
3- القيام
بما أوجب الله على عبده من حقوق للناس كصلة الأرحام والإحسان إلى الجيران، وإكرام الضيف، والإحسان إلى اليتيم بكفالته والقيام
بتربيته والحفاظ على ماله وصيانة حقوقه، والإحسان إلى المساكين والفقراء بسد جوعهم
وستر عوراتهم وإطعامهم.
4- الإحسان
فى العلاقات الإجتماعية؛ كالإحسان للزوجة وحُسن معاملتها وحُسن عشرتها.
5- الإحسان
فى المعاملات؛ باللطف فى القول لعموم الناس، وحُسن معاملتهم وكف الأذى عنهم،
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- الإحسان
فى العمل؛ بإجادته وإتقان صنعته، كما فى الحديث الشريف: " إن الله يحب إذا
عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، والإتقان يعني إحسان الصنع.
7- الإحسان
إلى سائر المخلوقات، كإطعام الحيوان والرفق به حتى عند ذبحه؛ كما قال النبي صلى
الله عليه وسلم: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا
القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وليُحدَّ أحدكم شفرته، وليُرح ذبيحته"
( أخرجه مسلم).
وهنا يرشدنا
الحديث إلى عموم الإحسان فى التعامل مع النفس ومع الناس ومع البهائم والدواب.
المُحسن
من أسماء الله الحسنى
إن الله عز وجل بلغ الكمال فى ذاته وصفاته وأفعاله، فلا أحسن ولا أكمل منه سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى:-
{الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ} [السجدة
: 7].
إن
الله غمر الخلق جميعًا بإحسانه وفضله، برهم وفاجرهم، مؤمنهم وكافرهم، من يستحق
النعم ومن لا يستحق.
أخرج
الإنسان من العدم إلى الوجود، ثم صوره فى أحسن صورة، ثم جعل له عقلًا يميز به بين
الحق والباطل، وسخر له السماوات والأرض وما بينهما، وأسبغ عليه نعمه التى لا تُعد
ولا تُحصى.
ومن
عظيم إحسانه سبحانه على خلقه أن وفقهم لهذا الدين، ومن كمال إحسانه عليهم فى
الآخرة الجنة ونعيمها والنظر إلى وجهه الكريم.
ثمرات الإحسان
*يكتسب
المُحسن بإحسانه محبة الله تعالى، ويمتلئ قلبه بمحبة الله وعظمته وخوفه وإجلاله والأنس
به والشوق إليه، وكأن هذا القلب يرى الله بعين البصيرة.
*الإحسان
مفتاح حصول الرحمة وشرح الصدور، فيكون المُحسن فى معية الله ورحمته، ومن كان الله
معه فإنه لا يخاف بأسًا ولا رهقًا.
*الإحسان
له أثر كبير في كسب القلوب؛ فالقلوب جبلت على حب من أحسن إليها، كالإعتراف بالجميل
وجبر الخواطر ومكافأة صانع المعروف، الإحسان يزرع المودة والرحمة فى قلوب الناس
ويؤلف بينهم.
*كل إحسانٍ
يفعله العبد حتى فيمن لا يستحقون لابد وأن يكافئه الله عليه فى الآخرة، فقال
تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن : 60].
بمعنى؛
هل جزاء من أحسن بعمله فى الدنيا إلا الإحسان إليه بالجنة فى الآخرة.
*ومن كمال
إحسان الله تعالى على المُحسنين النظر إلى وجهه الكريم الذى لا أحسن ولا أكمل منه،
فقال تعالى: { لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ ۖ وَلَا يَرْهَقُ
وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ۚ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ
فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس : 26].
للمؤمنين الذين أحسنوا عبادة اللّه فأطاعوه
فيما أمر ونهى، الجنةُ، وزيادة عليها، وهي النظر إلى وجه اللّه تعالى في الجنة،
والمغفرةُ والرضوان.
*إستمرار
الهداية والزيادة فيها؛ هداية الله لعبده المُحسن ثمرةً عظيمة وليس لأحدٍ غِنى عن
الهداية حتى الأنبياء والرسل.
*إستجابة
الدعاء؛ فالمُحسن مُجاب الدعاء لكرامته على الله تعالى.
*معية
الله الخاصة للمُحسنين؛ الحفظ والتأييد، والنصر والتمكين، والمحبة والتثبيت وغيرها
من الرعاية والعناية والمنح الربانية.
*النجاة
من المكائد والهلكة المتوقعة؛ كما نجا الله رسوله يوسف عليه السلام من كيد وإخوته.
قال
تعالى:
{قَالَ
هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ (89)
قَالُوا أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ ۖ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهَٰذَا أَخِي ۖ قَدْ
مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا ۖ إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا
يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)} [يوسف : 89-90].
*صرف
السوء والفحشاء عن المُحسنين؛ الله يخمد نار الشهوات الفطرية فى نفس عبده المُحسن،
فيصرفه عنها ويصرفها عنه، كما حفظ نبيه يوسف عليه السلام من الوقوع في الرذيلة مع
إمرأة العزيز.
تعليقات
إرسال تعليق