الإخلاص
كثيرًا من الناس فى زمننا هذا ترتدي العديد من الأقنعة، فيتحول نفس الشخص بين الحين والآخر لأكثر من صورة، فلا تستطيع وصفه بالمؤمن التقي الذى رافقك فى المسجد، أم بالشرير الذى أساء إلى سايس السيارات في الشارع، أم بالشخص المهذب فى حديثه مع النساء، أم بالفظ سليط اللسان فى البيت مع زوجته، فهو نفس الرجل الذى يتعامل مع النساء الأجنبيات بوجه الرقة والحنان والتودد، وتجده يتعامل بوجه الحزم والشدة والقسوة مع زوجته، ثم بوجه الإحترام والتقدير مع مديره أو رئيسه فى العمل وبوجه الإستهانة والإحتقار مع من هم أدنى منه كالفقراء والضعفاء، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على عدم الصدق والإخلاص، ويدل على النفاق والرياء، فإختلاف الوجه والمعاملة إن كان رغبةً في منفعةٍ دنيوية أو طلبًا للمال أو لمنصبٍ معين فهو نفاق ورياء.
ويتوه الوجه الحقيقي بين هذه الوجوه العديدة والأقنعة الزائفة، فلا نستطيع تمييز الصادق من الكاذب، ولا المخلص من المخادع، ولا الطيب من الشرير، ولا الصديق من العدو.
إعلم يا صاحب الوجوه الكثيرة أن الله يعلم ويرى، وما أحلى وجه العبد المؤمن المخلص، الذى يركع ويسجد ويتلو القرآن في خلوته، وبنفس هذا الوجه الجميل يتعامل في بيته مع عائلته ويُحسن معاملتهم، وبنفس الوجه المؤمن المخلص فى عمله ويُتقنه ويُحسن معاملة رؤسائه وزملائه، لا يغتاب أحداً من زملائه أو يتهمه أو يسند إليه أي خطأ في العمل ليتسلق على كتفيه وينال رضا رئيسه أو مديره.
مفهوم الإخلاص في الإسلام
الإخلاص هو فضيلة من الفضائل وخُلق من الأخلاق الحميدة، والتى يعبر فيها الإنسان بالقول والفعل عن آرائه ومعتقداته دون رياء أو نفاق.
الإخلاص يعني صدق العبد في توجهه إلى ربه إعتقادًا وعملًا، يجب عليه أن يكون صادقًا في عقيدته ومخلصًا فيها فينقيها من الرياء والنفاق، ويكون صادقًا في قوله وعمله قاصدًا التقرب إلى الله وحده لا شريك له، لا طلبًا للدنيا ولا نفاق للناس، لكنه يرجو به ثواب الله تعالى ويخشى عقابه ويطمع في رضاه.
أمر الله تعالى عباده بالإخلاص فى عبادته فقال:-
{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة : 5]
كما أمر الله تعالى بالإخلاص فى الدعاء فقال:-
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف : 29].
كيف تكون مخلصًا؟
1- كُن عبدًا لله وحده ولا تكن عبدًا للمهنة أو الوظيفة أو الراتب، ولا تكن عبدًا لزوجتك وأولادك وإحتياجاتهم، ولا عبدًا للبيئة والظروف والمجتمع، ولا عبدًا لشهواتك٠٠٠٠٠
2- صدق النية وإخلاصها لله فى الأقوال والأفعال، فكل عمل خالصًا لله وحده ينال القبول بإذن الله تعالى، وأي عمل فيه شائبة من حظ النفس فهو باطل ومُحبط وغير مقبول.
3- لا تنكر فضل الله ونعمته عليك، وأعلم أن الله هو القادر على كل شيء وهو المعين على قضاء الحوائج وهو مقدر الأقدار ومدبر الأمور، فإذا كان هذا هو الأساس في أعمالك فلابد وأنها سوف تكون خالصةً لله تعالى.
4- مراقبة الله فى السر والعلن؛ فأصل العبادة هو أن تعمل وكأنك ترى الله وإن لم تكن تراه فهو يراك، إن خير الصلاة صلاة قيام الليل ولا يراك أحد، ولها فضل عظيم لأنها خالصةً لله وحده لاشريك له، وخير الصدقات هو ما تتصدق به فى السر ولا يعلم بها أحد، فإن صدقة السر تطفئ غضب الله تعالى، وكذلك الصوم والذِكر وغيرها من الأعمال الصالحة التى تكون في الخفاء لا يراها إلا الله وحده، ولا تظهر لغيره فيدخلها الرياء.
5- الخشوع والخضوع والإستسلام لله وحُسن التوكل عليه يساعد على سلامة القلب ويُطهر النفس ويُزكيها، فلا تنقاد لعمل فيه رياء أو نفاق.
6- مجاهدة النفس وكثرة الدعاء وتدبر القرآن ومجالس الذِكر ومصاحبة المخلصين المحسنين.
7- تذكر الموت والآخرة والعمل ليوم الحساب.
ثمار الإخلاص
* الإخلاص يزيل الهموم ويفرج الكربات.
* محبة الله تعالى؛ فالإخلاص القوي والنية الصادقة وإخفاء العمل الصالح تُقرب العبد من ربه.
* تطهير القلوب من الحقد والغل والخيانة.
* نيل شفاعة النبي حيث قال صلى الله عليه وسلم: "أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصًا من قبل نفسه".
* الإخلاص نجاة من إضلال الشيطان وأعوانه، ومغفرة للذنوب.
* الإخلاص طريق النصر والإنتصار على الأعداء.
* الإخلاص يفتح أبواب الخير فى الدنيا، وهو السبيل إلى الجنة فى الآخرة.
تعليقات
إرسال تعليق