القائمة الرئيسية

الصفحات

تزكية النفس


إن النفس تميل إلى الملذات والشهوات وتنفر من الطاعات وتُقبل على الغفلات، والمؤمن الحق لا يترك لجام نفسه، بل عليه التحكم في زمامها ويعمل على تزكيتها وتطهيرها، يرخي لها بعض الوقت حتى لا يُضيق عليها، ويردها بلطف ثم يردها بعنف إذا لزم الأمر، فيتحكم فى قيادتها ويرتقي بها.


والنفس أنواع ثلاثة:-

1- نفس مطمئنة:- وهى التى سكنت إلى ربها وطاعته فاطمأنت إلى محبته وعبوديته وذكره، واطمأنت إلى لقائه ووعده، واطمأنت إلى قضائه وقدره وإلى ضمانه وكفايته وحسبه، وأنه لا غنى لها عنه طرفة عين.


2- النفس اللوامة:- وهى النفس اللؤوم التى تُنَدِّم على ما فات وتلوم عليه.


3- النفس الأمارة:- وهى التى تأمر صاحبها بما تهواه من شهوات وملذات وإتباع الباطل.


وإذا أراد الله بنفسٍ خيرًا زَكَّاهَا، لترتقي النفس من الأمارة بالسوء واللوامة إلى النفس المطمئنة. 



معنى تزكية النفس وتهذيبها

والتزكية هى تربية النفس وتهذيبها وقيام المربي برعايتها حتى تبلغ الكمال، أي أنها تكميل النفس الإنسانية بقمع أهوائها وإطلاق خصائصها، وتخليتها من الرذائل والمعاصي وتحليتها بالمكرمات ومحاسن الأخلاق، للإرتقاء بالنفس من السيء إلى الحسن، حتى تبلغ أسمى المستويات الإنسانية، فتتحول من نفس أمارة بالسوء أو لوامة إلى نفس مطمئنة وراضية عن ذاتها ومرضية عند ربها.


تقوم التزكية على أمرين:-

1- التخلية ( تخلية من الرذائل)، أي تطهير النفس من العيوب والآفات والأمراض.

2- التحلية ( تحلية الفضائل)، أي إستبدال الأخلاق السيئة بأخرى حسنة وحميدة.



أهمية تزكية النفس

* لقد إنتشرت الفتن والمغريات وأصناف الشهوات والشُبهات من حولنا، وأصبح الإنسان بحاجةٍ شديدة إلى مجاهدة نفسه وتربيتها لينجو بها من الإنزلاق إلى الهاوية.


* هناك آفات وأمراض كثيرة للنفس تحول بين الإنسان والهداية منها؛ الكِبر والعُجب والنفاق... ، مما يتسبب فى إعوجاج الإنسان عن الطريق الصحيح وتوقفه عن العمل الصالح، ولكن التزكية تُحرر النفس من تلك الآفات والأمراض وتجعله ينتفع بما يتعلم، إن أهم من العلم العمل بما نتعلم، والذى لا يعمل بما تعلم فهو إنسان عاجز أو كسلان.


* لقد قدم الله سبحانه وتعالى التزكية على العلم فى كتابه الكريم فقال تعالى:- {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 151]، فالتزكية قبل العلم، لأن التزكية تُطهر القلب حتى يكون مؤهلًا لتقبُل العلم والعمل به، وحينها لا يحول بينه وبين الهداية حائل أو مانع.

يقول الإمام مالك:- "ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما العلم ما نفع، وعمل به صاحبه".


* ولذلك قدم السلف الصالح أمر تزكية النفس وتطهير القلب على العلم، كان الإمام الشافعي يقول:- قال لي الإمام مالك:-" يا محمد، اجعل عملك دقيقًا، وعلمك ملحًا."، وكأنه يريد أن نفهم أن مقدار العلم بالنسبة للعمل كقطرات الملح بالنسبة الدقيق.


* ولا تكون التزكية إلا بمجاهدة النفس وتخليصها من حب الدنيا، وترك الذنوب والمعاصي التى تُثقل صاحبها فلا يستطيع السير فى طريق التزكية.



*أقسم الله تعالى في كتابه الكريم على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهمل تزكيتها، فقال تعالى:- {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا (5) وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا (6) وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)} [الشمس : 1-10].



كيف تكون تزكية النفس وتطهيرها؟

1- بصلاح العقيدة وتربية النفس على التوحيد، لأن فساد القلب وفساد العقيدة يوقع الإنسان فى الشرك (والعياذ بالله)، فينبغي توحيد الله واليقين بأنه خالق الكون ومُدَّبِر أمره، مع حُسن الظن بالله وتفويض الأمر إليه فى كل الأمور.


2- وبالتمسك بالكتاب والسُنة النبوية، وذلك بإتباع ما أمرنا الله به في كتابه الكريم وإجتناب نواهيه، وفهم الأحكام والآداب التى جاءت فى القرآن الكريم والسُنة النبوية التى تقوم سلوك النفس وتنهاها عن إرتكاب الفواحش والمنكرات.

وقد تنوع أسلوب القرآن الكريم فى تزكية النفس بين الترغيب والترهيب، فيدعو النفس ويرغبها فى فعل الخيرات والعمل الصالح، وينهاها عن فعل المنكرات وسيء الأخلاق والأعمال، فهو يُرشد النفس إلى طريق العلم الصحيح ويحثها على العمل به، حتى تنال الخير فى الدنيا والآخرة.


3- الزكاة وإخراج الصدقات فيها تطهير للنفس من الذنوب وفيها نماء، يقول الله تعالى:- {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة : 103].


4- بالإحسان عند آداء الحقوق لأصحابها، وبالصبر عند حدوث الشدائد والمحن، والتسليم والرضا بقضاء الله وقدره، وحُسن الظن بالله وتفويض الأمر والتوكل عليه.


5- قيام الليل من أفضل القربات وأعظم الطاعات، ومن أهم وسائل تزكية النفس وتربيتها، فهى سُنة متبعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحياها أحيا الله قلبه ونور بصيرته وبيض وجهه وثبت قدمه.


6- تلاوة القرآن الكريم وتدبر آياته، كما قال تعالى:- {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28].



أهم الأمور المُعينة على تزكية النفس

1- إستشعار  أن الله يرانا، وتذكر الحساب ويوم القيامة.


2- الإقتداء بالصحابة والسلف الصالح وإتباعهم.


3- البعد عن المعاصي والذنوب الظاهرة والباطنة، والتوبة الصادقة من إرتكاب هذه الذنوب، والعزم على عدم العودة إليها.


4- مصاحبة الأخيار وأهل الصلاح تُعين على تزكية النفس.


5- وعد الله سبحانه وتعالى من زكى نفسه بالفلاح ودخول الجنة، فقال تعالى:- {جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ} [طه : 76].


6- لزوم الإستغفار والذِكر والدعاء واللجوء إلى الله تعالى دائمًا يقي الإنسان شر نفسه.


7- التحلي بالصبر واليقين، حيث ينتصر الإنسان بالصبر على شهوات نفسه، فيمنعها ويحبسها على الطاعات، كما يقضي اليقين بالله على وساوس الشيطان للنفس.


8- محاسبة النفس وعدم الغفلة عنها، وتوبيخها من أجل حملها على الطاعة، وتذكيرها بالموت والحساب.


9- الإخلاص وتنقية العمل من حظوظ النفس وشوائب الرياء والنفاق.


10- التقليل من الأكل والنوم والكلام، حيث أن كثرة الكلام بغير ذِكر موجبة لقسوة القلب، وكثرة الأكل موجبة لقوة الشهوات ومداخل الشيطان، وكثرة النوم موجبة للكسل ومضيعة الوقت.



تزكية النفس ومدحها بين الجواز والنهي

نهى الله تعالى عن تزكية النفس بالمدح والإطراء المورث عُجبًا وتيهًا ومرحًا،أي لا تشهدوا لأنفسكم بأنها زكية بريئة من الذنوب والخطايا، إلا إذا كان في ذلك مصلحة دينية بأن يكون آمرًا بمعروف أو ناهيًا عن منكرٍ أو ناصحًا أو معلمًا أو واعظًا أو مصلحًا بين إثنين.


*قال تعالى:- {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ ۖ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰ} [النجم : 32].

*وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له؟".

لا تعارض بين الآية الكريمة والحديث الشريف؛ حيث أن النهي فى الآية عن تزكية النفس ومدحها لغير حاجة بل للفخر والإعجاب، أو مدحها بما ليس فيها، أما من زكاها شكرًا للنعمة أو لبيان فضله ليُقتدى به كما فى الحديث فلا يُنهى عن ذلك.


أنت الان في اول موضوع

تعليقات

التنقل السريع