القائمة الرئيسية

الصفحات

ألم الفراق والفقد


ألم الفراق والفقد

 الموت حقٌ على كل إنسانٍ فى هذه الحياة، إلا أن خبر موت أي إنسان عزيز وغالي علينا مُفجِع، ويُعد صدمةً كبيرةً ولا شك أنه يترك فينا ألمًا ووجعًا شديدًا.


وألم فقد وفراق من نحب من أصعب مصائب الدنيا، سواءً كان هذا الحبيب أبًا أو أمًا أو ولدًا أو زوجًا، ويكون قدر الحزن بقدر قرب الشخص بالنسبة لنا وبقدر محبته فى قلوبنا.


قيل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: هل هناك أشد من الموت؟ فقال: نعم فراق الأحبّة أشد من الموت. 


شدة التعلق بالأحبّة

قد نتعلق فى دنيانا بأشخاص تربطنا بهم علاقات قوية وروابط أسرية، وربما مع مرور الوقت يصبحون نبض قلوبنا ونصير كأننا كيان واحد، وكلما تمر سنوات العُمر بالقرب من أحبّتنا يزداد تعلقنا وإرتباطنا بهم حتى لا نستطيع البُعد عنهم أو الحياة بدونهم، وبالرغم من إيماننا ويقيننا بالموت وامتثالنا لقضاء ربنا وقدره، إلا أننا لا يخطر ببالنا فراق من نحب. 


فإذا حانت لحظة الفراق وخطف الموت أعز الناس فجأة ودون سابق إنذار، نشعر بأننا نقف على أرض رخوة لا تعرف الصلابة وكأنها تتأرجح وتهتز تحت أقدامنا، لقد ذهب السند والرفيق والحبيب، وتغلب علينا مشاعر الحزن والهمّ واليُتم والكسرة والضعف، وجع فراق إنسان إعتدنا وجوده فى حياتنا وفجأة يغيب تاركًا خلفه فراغًا كبيرًا لا يملؤه غيره، بل ونشتاق إليه ونحن نعلم أنه تحت التراب ولن يعود.


الإستسلام للحزن السلبي وإسترجاع الذكريات الماضية والعيش فيها وعدم تصديق الواقع يسلبنا قوتنا، ويجعلنا غير قادرين على الإستمرار فى الحياة بشكل طبيعي، ويكون سببًا فى خسارتنا لأن عجلة الحياة تدور ولن تقف بموت أحد، فالموت لا يوجع الموتى لكنه يوجع الأحياء، نسأل الله أن يرحم جميع أمواتنا وأموات المسلمين جميعًا، ويغفر لهم ويسكنهم فسيح جناته. 


كيف نتغلب على ألم الفراق؟ 

*ينبغي أن يصبر المؤمن ويحتسب الأجر والثواب عند الله تعالى إذا فقد شخصًا عزيزًا عليه، والصبر المأجور عليه صاحبه هو الذى يكون عند الصدمة الأولى. 


*ولا مانع من بكاء العين وحزن القلب، لكن النواح وشق الجيوب ولطم الخدود إعتراض على قضاء الله لقوله صلى الله عليه وسلم:- "ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية". 


*التقرب إلى الله تعالى والرجوع إليه والإيمان والتسليم بأن كل نفسٍ ذائقة الموت، وإتباع قول  العلماء:- "الميت كالغريق يريد دعوةً تنقذه، أو حسنةً تدركه". 


*حمد الله على قدره خيره وشره والرضا به، والتغلب على الأفكار السلبية التى تجلب وساوس الشيطان، بالدعاء للميت بالرحمة والغفران وكذلك الدعاء لأنفسنا بالصبر والربط على القلوب. 


*السماح للنفس بالبكاء فى هدوء والتخلص من الهموم والأحزان بشكل صحي، دون صراخ أو عويل. 


*الحديث إلى الأقارب والأصدقاء وإخراج ما تضيق به صدورنا، فمشاركة الآخرين تساعد على تحمل الآلام والأوجاع وربما تُريح القلوب. 


*اليقين وحُسن الظن بالله وبرحمته بعباده الأحياء والأموات جميعًا، والعلم بأن الموتى فى ذمة الله ورحمته وأنه سبحانه وتعالى أرحم بهم منا. 


*محاولة إستيعاب الموقف وإدراك فراق الأحبّة وتسليم الأمر لله تعالى وتصديق الواقع وعدم الهروب منه، والتكيف مع الحياة بعد موتهم وإعادة هيكلة الأمور والأعمال التى نقوم بها وآداء أدوارنا فى الحياة دون وجود من فارقناهم. 


*التفكير فى أهداف المفقود التى لم يتمكن من تحقيقها، ونضعها أهدافًا لنا ونسعى لتحقيقها تقديرًا وبرًا له. 


*هدايا الأعمال الصالحة والحسنات التى يرسلها الأحياء للأموات تصل إليهم وينتقلوا بها من حال إلى حال؛ كالحج والعُمرة وتلاوة القرآن والصلاة والدعاء والإستغفار والصدقات، ونهب ثوابها للموتى ليرفع بها الله الموتى فى الدرجات. 


حزن النبي عليه الصلاة والسلام 

لنا فى رسولنا الكريم أسوةً حسنة، فلقد كان يحزن على فقد وفراق أحبّته، لكنه كان يتقي الله تعالى فى حزنه ويقابل القدر بالرضا والتسليم. 


فُجع عليه الصلاة والسلام بفقد جميع أبنائه فى حياته؛ مات أبناءه الثلاثة وهم: القاسم وعبد الله وإبراهيم وهم صغار، ومات له ثلاث من بناته وهن: زينب ورقية وأم كلثوم، ولم يبق له إلا فاطمة رضي الله عنها التى ماتت من بعده صلى الله عليه وسلم، وأشد مصيبة على الإنسان هى فقد الولد، لكنه عليه الصلاة والسلام كان يستقبل هذه المصيبة بالصبر وإحتساب الأجر والثواب عند الله تعالى.

 

كان صلوات الله وسلامه عليه يبكي حزنًا عند موت قريبٍ أو عزيزٍ كما تقتضي الفطرة الإنسانية، فلقد بكى عند موت إبنه إبراهيم بين يديه، ولقد جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال:- أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه، فجعلت عينا رسول الله تزرفان، فقال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه:- وأنت يا رسول الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم:- "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون" رواه الشيخان. 


وحزن النبي صلى الله عليه وسلم لفقد زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب فى عامٍ واحد، كما حزن على قتلى أُحد وبئر معونة ومؤتة. 


لماذا يبتلي الله عباده بالفقد؟ 

إذا أحب الله عبدًا من عباده إبتلاه ليكفر عنه خطاياه ويرفع له الدرجات، التى لا يستطيع أن يبلغها بعمله فيبتليه الله ليرفعه إليها. 


*يكون الإبتلاء إما لتكفير الخطايا ومحو الذنوب والمعاصي، كما فى قول النبي صلى الله عليه وسلم:- "ما يصيب المسلم من همّ، ولا حزن، ولا وصب، ولا نصب، ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه". 


*أو يكون الإبتلاء لرفع الدرجات وزيادة الحسنات، ليضاعف الله للمؤمنين أجورهم وثوابهم، كما هو الحال فى إبتلاء الله لأنبيائه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:- "أشد الناس بلاءًا الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة." رواه البخاري. 


يقول العلماء:- يُبتلى الأنبياء لتضاعف أجورهم وتتكامل فضائلهم، ويظهر للناس صبرهم ورضاهم ليُقتدى بهم، وليس ذلك نقصًا ولا عذابًا، ولذلك أُبتلي أشرف خلق الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إبتلاءات عظيمة مُنذ ميلاده إلى وفاته. 


*أو يُعاقب المؤمن بالبلاء على بعض الذنوب والمعاصي، كما قال رسول الله صلى الله عليه:- "إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العُمر إلا  البر". رواه أحمد والنسائي. 


*أو يكون لتمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين، بإختبارهم ليتميز المؤمنون الصادقون عن غيرهم، وليُعرف الصابرون على البلاء من غير الصابرين، قال تعالى:- {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت : 2-3]. 


أفضل الدعاء لتخطي الحزن وألم    الفراق

1- قال تعالى:- {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [سورة البقرة]. 


2- "اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل،  وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال". 


3- "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني فى مصيبتي واخلفني خيرًا منها".

 

4- {... رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ} [الأعراف : 126]. 


5- "اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله واجمعنا معه في جنات النعيم يارب العالمين". 


6- "اللهم اجعل قبره روضة من رياض الجنة ولا تجعله حفرة من حفر النار". 


7- "اللهم أفسح له فى قبره، ومد بصره، وافرش قبره من فراش الجنة". 


8- "اللهم فارج الهمّ، وكاشف الغمّ، مُذهب الحزن، اكشف اللهم عنا همّنا وغمّنا، واذهب عنا حزننا". 


9- "اللهم أنزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا". 


10- " اللهم أدخله الجنة من غير مناقشة حساب ولا سابقة عذاب". 




تعليقات

التنقل السريع