القائمة الرئيسية

الصفحات

البخل.. قصص عن البخل


البخل.. قصص عن البخل

ما هو البخل؟ 

البخل صفة ذميمة بل إنه من أقبح صفات البشر، وهو جمع المال وكنزه وعدم إنفاقه، البخل مشقة الإعطاء؛ يمنع الإنسان من البذل والعطاء فلا يذوق لذة العطاء، البخيل عندما يقطع شيئًا من ماله ليعطيه لغيره يجد فى ذلك مشقة وعناء فلا يُقبل على ذلك، بينما الإنسان الكريم عنده بسط يد ويرتاح للعطاء ودائمًا يُقبل عليه.


والبخل ليس بمنع المال فقط، ولكن قد يبخل البخيل بعواطفه وأحاسيسه كبخله بماله، فيبخل بعطفه وحنانه على من يحتاج له، ويبخل حتى بالإبتسامة فى وجه الآخرين وبالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة، أو يمنع البخيل علمه عن الناس كمن يمنع سر صنعةٍ أو مهارةٍ معينة عن من يحتاجون إليها، أو يبخل عنهم بإسداء النصيحة فهو يحجب ويكتُم أي منفعة أو خدمة عن الآخرين،  ويبخل بقدرته على مساعدة العاجز. 


يبخل الشخص البخيل على غيره ولكنه كريم على نفسه، أما الشخص الشحيح فيبخل على نفسه وعلى غيره، فكم من بخيلٍ يُمسك المال عن نفسه ويمرض فلا يتداوى، أو يشتهي الشهوة فيمنعه عنها البخل. 


قال ابن القيم رحمه الله:- " فالفقير الآخذ لصدقتك يستخرج منك داء البخل، كالحجام يستخرج منك الدم المهلك". 


يعني أن التصدق والزكاة والإنفاق في سبيل الله يجعل البخيل يعتاد صفة الكرم والجود. 


البخل رذيلة عواقبها وخيمة وآثارها سيئة على الإنسان فى حياته وفى آخرته، وكما قال الله تعالى:- {وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّىٰ (11)}  [الليل : 8-11]


بين لنا القرآن الكريم ما ينتظر البخيل من عنتٍ فى الدنيا وعذابٍ مُهينٍ فى الآخرة، يُعسر الله عليه أسباب الخير والصلاح ولا ينفعه ماله إذا هلك وهو في نار جهنم. 


والبخيل يمنع ما عنده مما آتاه الله من فضله من مالٍ وجاهٍ وعلم وغير ذلك مما منحه الله، ولديه عدم رغبة في بذل ما على الإنسان من واجبات ومع ذلك يحرص على أخذ كل حقوقه، وتجد البخيل يأمر الناس ويُحثهم على هذا الخُلُق الذميم.


قال الله تعالى في سورة النساء:-{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۗ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} ( الآية 37).


والبخل يعُم كل ما ينفع فى الدين والدنيا من علمٍ ومالٍ وغير ذلك، حتى أنه ربما يبخل البخيل بلين الكلام وإلقاء السلام والنصح فى التعليم وإنقاذ المُشرف على التهلكة.


قصة جحا وجاره البخيل .. من نوادر جحا

كان لجحا جارًا غنيًا شديد البخل، وكان هذا الجار البخيل يستعير كل متطلباته من جيرانه، ويمنع عن نفسه وعن أفراد أسرته الطعام والشراب والملبس، فيطعم أبناءه خبزًا جافًا أو يتركهم يتسولون في الطرقات عسى أحدًا من الناس يتعطف عليهم بشيئٍ من الطعام يسد جوعهم، ثم يذهب كل يومٍ ويتطفل على أحد الجيران ليتناول معه طعامه دون أن يُنفق مالًا. 


وكان كلما يرى جحا ينصحه بعدم الإسراف وعدم الإنفاق بسخاءٍ، حتى يدخر الأموال ويُصبح غنيًا مثله، قال جحا لجاره البخيل: ما قيمة المال الكثير وهو لا يفيد صاحبه؟، قال البخيل: يكفيك أن ترى المال في حوذتك وتستمتع برؤيته وهو في إزدياد ولا ينقص منه شيئًا أبداً، نصح جحا جاره كثيرًا بأن زيادة المال لا معنى ولا قيمة لها ما دامت لا تُسعد صاحبها وذويه، وكان جحا يتابع تصرفات هذا الجار البخيل حتى ضاق منه وكان يتمنى أن يتخلص من هذا الجار البخيل وأن يترك منزله ويرحل بعيداً عنه. 


إعتاد هذا الجار البخيل أن يستعير حمار جحا لقضاء حوائجه طوال اليوم ثم يُعيده لجحا وهو مرهق ومجهد من شدة التعب والجوع، وفى يومٍ من الأيام جاء الجار البخيل إلى جحا وطلب منه أن يُعيره حماره فأعطاه له، فلما قضى الجار البخيل حاجته عاد بالحمار وطلب من جحا أن يدفع له دينارًا، فسأله جحا: ولما أدفع لك دينارًا وقد أعرتك حماري؟، فأخبره البخيل بأن الحمار قد جاع فى الطريق وأنه إشترى له برسيمًا ليأكل، غضب جحا وقال: ألا تخجل يا رجل! إنك تستعير حماري لقضاء حوائجك وأنا لا أتقاضى منك أجرًا على ذلك، وأنت تطالبني بثمن أكله وقد تعبته وأرهقته حتى صار هزيلًا وضعيفًا!، قال جحا لجاره البخيل: خذ حماري لك واحتفظ به لنفسك، رفض الجار البخيل عرض جحا قائلًا فى إستفزاز: بل أتركه عندك فهو حمارك وأنت المسئول عن طعامه وأنا فقط أستعيره منك ثم أُعيده لك، ثار جحا وغضب وقرر أن يتخلص من هذا الجار البخيل، وظل يفكر في حيلةٍ ذكيةٍ ليُلقن هذا البخيل درسًا لن ينساه. 


وفى صباح اليوم التالي ذهب جحا إلى السوق واشترى عمامة جديدة ووضعها على رأسه، ثم ذهب جحا إلى المطعم ودفع له مقدمًا حساب طعام الغداء لشخصين، ثم ذهب جحا إلى بائع الحمير ودفع له مقدمًا ثمن حمارًا على أن يعود ويأخذه فيما بعد، ثم ذهب إلى بائع الفاكهة وأشترى منه بعض الفاكهة ودفع له ثمنها مقدمًا وطلب منه أن يُبقيها عنده بعض الوقت لحين عودته، وكذلك فعل مع بائع الطيور وأشترى بعض الطيور ودفع له ثمنها مقدمًا وتركها لدى البائع على أن يعود ويأخذها لاحقًا، ثم ذهب إلى صديقٍ له وأعطاه خمسين دينارًا وطلب منه أن يُعيدها إليه عندما يطلبها منه. 


عاد جحا من جولته إلى بيته مسرورًا وسعيدًا وهو يرتدي عمامته الجديدة ويبدو عليه الفرحة والسعادة، فرآه جاره البخيل فسأله: عن العمامة الجديدة الجميلة التي يرتديها وكم ثمنها؟، وما سر سعادته وسروره؟، فقال جحا فى سعادة: إنها عمامة الخير وعمامة الثراء ولا تُقدر بثمن يا جاري العزيز. 


قال البخيل فى لهفة: ماذا تقصد بذلك يا جحا؟، أجابه جحا: هيا بنا لترى بنفسك سر هذه العمامة، ذهب جحا بجاره البخيل إلى المطعم وقال له: الآن سأدعوك يا جاري لوجبة غداء شهية على حساب العمامة، وطلب أن يحضروا لهما طعام شخصين وبعد الإنتهاء من تناول الطعام وضع جحا يده على عمامته ونظر لصاحب المطعم فقال له: الحساب خالص يا جحا، فتعجب البخيل! ثم أخذه جحا إلى بائع الحمير وطلب منه حمارًا ثم وضع جحا يده على عمامته ونظر للبائع فقال له: الحساب خالص يا جحا، ثم ذهب جحا به إلى بائع الفاكهة وأخذ منه الفاكهة ووضع يده على عمامته ونظر إلى البائع فقال له: الحساب خالص يا جحا، ثم ذهب به إلى بائع الطيور وأخذ منه طلبه وقال له البائع: الحساب خالص يا جحا، وأخيراً ذهب جحا بجاره البخيل إلى صديقه وطلب منه الخمسين دينارًا  فأخذها ومشى. 


نظر البخيل إلى جحا فى دهشةٍ وإعجابٍ شديد بالعمامة التى تشتري كل شيئٍ دون إنفاق المال! بل ويطلب المال من الناس فيعطوه ما يحتاج بكل بساطة!، وهذا كل ما يتمناه البخيل فقال البخيل لجحا: بكم تبيع لي عمامتك يا جحا؟ إنها ثروة كبرى، فقال جحا: أبيعها لك مقابل بيتك، وافق البخيل بكل سرور ودون تفكير وباع لجحا بيته في الحال، وقال البخيل فى نفسه وهو سعيد بتلك الصفقة الرابحة: سوف أشتري عدة بيوت بهذه العمامة دون أن أُنفق شيئًا من أموالي. 

وهكذا تخلص جحا من جاره البخيل. 



قصة الزوج البخيل والزوج الكريم 

تزوجت إمرأة كريمة من تاجر غني يمتلك محلًا كبيرًا لبيع الأقمشة والملابس لكنه كان بخيلًا جداً، وبعد الزواج عرفت الزوجة الكريمة بخل زوجها وكرهت هذه الصفة السيئة فى زوجها بشدة. 


وفى يومٍ من الأيام إشترى الزوج دجاجة وطلب من زوجته أن تطهيها ليتناولا جزءًا منها على العشاء، وبينما كانا الزوجان يتناولان طعام العشاء سمعا طرقًا على الباب، خرج الزوج وفتح باب البيت فوجد رجلًا فقيرًا يشكو من شدة الجوع وطلب منه بعض الطعام، رفض الزوج البخيل أن يعطيه شيئًا وصاح فى وجهه بكلماتٍ قاسية وطرده، فقال له السائل المسكين: سامحك الله يا أخي؛ لولا حاجتي الشديدة وجوعي الشديد ما طرقت بابك حسبنا الله ونعم الوكيل، ولم ينتظر الزوج أن ينصرف السائل وأغلق الباب بعنفٍ فى وجهه، ثم عاد ليُكمل طعامه مع زوجته، فسألته الزوجة: من كان بالباب؟ فقال الزوج: إنه سائل يطلب طعامًا، الزوجة: ولماذا أغلقت الباب فى وجهه بهذا العنف؟ غضب الزوج وقال لها: وماذا كنت تريدين أن أفعل؟ فقالت: كان من الممكن أن تعطيه جزءًا من الدجاجة ليسد بها جوعه، قال الزوج: إن الدجاجة لن تكفي؛ فسوف نتناول نصفها اليوم وغداً نتناول النصف الآخر. 


تعجبت الزوجة الكريمة من قول زوجها وقالت له: على الأقل لا تعامله بهذه القسوة وقُل له كلمة طيبة ولا تنهره كما فعلت. 


وبعد مرور فترة من الزمن خرج هذا الزوج البخيل إلى عمله فوجد محل الأقمشة والملابس قد إحترق بالكامل ولم يبقى منه شيئًا، عاد الرجل إلى زوجته حزينًا بائسًا وقال لها: أن الحريق قد جعل المحل رمادًا ولم يُبقي شيئًا وفقدت كل ما أملك وضاع رأس مالي في لحظة، فقالت الزوجة وهى تواسي زوجها: لا تحزن يا زوجي واصبر على البلاء وارض بقضاء الله وقدره ولا تيأس من رحمة الله وفضله فسوف يعوضك خيراً منه بإذن الله، لكن الرجل ثار فى وجه زوجته قائلًا: أنا لا أتحمل الخسارة وفقد أموالي التى تعبت في جمعها طوال عمري، ولا أستطيع أن أتحمل الفقر ولا حتى الإنفاق عليك، اغربي عن وجهي واخرجي من بيتي واذهبي لبيت أبيك، وطلق الزوج البخيل زوجته ولم يستطع الصبر على قضاء الله. 


عادت الزوجة الصالحة الكريمة إلى بيت أبيها ليعوضها الله بزوجٍ آخر كريم خيراً من ذاك الزوج السابق البخيل، كان الزوج الجديد يرحم الضعفاء ويساعد المحتاجين والفقراء ولا يرد السائل والمحروم، عاشت الزوجة الكريمة مع زوجها الجديد الفاضل وتمتعت برغد العيش مع الزوج الكريم، وحمدت ربها وشكرته على نعمته عليها. 


وذات يومٍ من الأيام كانا الزوجان الكريمان يتناولان طعام العشاء معًا، فسمعا طرقًا على الباب فنهضت الزوجة وفتحت الباب، ثم رجعت وقالت لزوجها: هناك سائل يشكو شدة الجوع ويطلب بعض الطعام، فقال لها زوجها: إعطيه إحدى هاتين الدجاجتين، تكفينا دجاجة واحدة لعشائنا بإذن الله، لقد أنعم الله علينا من فضله وكرمه فلن نبخل على عباده ولن نُخيب رجاء من يلجأ إلينا. 


فقالت له زوجته: ما أكرمك وما أطيب قلبك يا زوجي العزيز! زادك الله من فضله وخيره، وأخذت الزوجة الدجاجة وأعطتها للسائل وأغلقت الباب ثم عادت لتُكمل عشائها مع زوجها والدموع تملأ عينيها، لاحظ الزوج دموع زوجته وسألها: لماذا تبكين يا زوجتي الحبيبة؟، فقالت له: إنني أبكي لأن السائل الذى طرق بابنا مُنذ قليل وأمرتني أن أعطيه الدجاجة هو زوجي الأول. 


ثم أخذت الزوجة تحكي لزوجها قصة الزوج الأول البخيل الذى نهر السائل وأهانه وطرده دون أن يعطيه شيئًا يسد به جوعه الشديد وأسمعه كلامًا قاسيًا، سبحان الله دارت الأيام عليه وأصبح هو الآن الذى يسأل الناس طعامًا ليسد به جوعه!


فقال لها زوجها الكريم: يا زوجتي الحبيبة؛ إذا كان السائل الذى طرق بابنا اليوم هو زوجك الأول فأنا كنت السائل الأول، سبحان الله العاطي الوهاب الذى يعطينا لنعطي غيرنا من رزقه! فالحياة أخذٌ وعطاء. 



تعليقات

التنقل السريع