القائمة الرئيسية

الصفحات

سوء الظن .. قصة مؤثرة عن سوء الظن بالناس

سوء الظن .. قصة مؤثرة عن سوء الظن بالناس



سوء الظن .. قصة مؤثرة عن سوء الظن بالناس 

* مفهوم سوء الظن 

سوء الظن هو صفة ذميمة يجب التخلص منها، حيث يتخيل الإنسان ويظُن سوءًا بأقوال الآخرين وأفعالهم ويرى خياله حقيقة ويُرتب عليه أثرًا، وهو إتهام يقع في القلب بلا دليل، ولا يستند إلى شيئٍ من الشر أو الفُحش والفجور، بل هو سوء نيةٍ أو مخالفةٍ للواقع، فهو مظنة جانب الشر وتغليبه على جانب الخير، والحُكم على الآخرين بتسرعٍ ودون تحقق، ويُعد سوء الظن من كبائر الذنوب والمعاصي التى تُهلك صاحبها وتجعله من أصحاب النار.


يقول الله تعالى في كتابه العزيز:- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} [الحجرات : 12]


قال ابن القيم رحمه الله: " سوء الظن هو إمتلاء القلب بالظنون السيئة بالناس حتى يطفح على اللسان والجوارح". 

قال ابن كثير: "سوء الظن هو التُهمة والتخون للأهل والأقارب والناس فى غير محله". 


أنواع سوء الظن 

1- سوء الظن بالله تعالى:-  من  أخطر الذنوب كبائر القلوب وعلى رأسها سوء الظن بالله، قال إبن القيم: " أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به". 


2- سوء الظن بالأنبياء:- وهو كفر، قال النووي: "ظن السوء بالأنبياء كفر بالإجماع". 


3- سوء الظن بالناس:- ويُعد من الكبائر، لكون فاعله يُلصق الإتهامات بأخيه المسلم، سواءًا كانت أقوال أو أفعال وما هى إلا خيالات أو تهيؤات أو إستنتاجات ولا علاقة لها بالحقيقة. 


4- سوء الظن بالنفس:- وهو إتهام النفس بالتقصير، مما يجعل الإنسان يدفع عن نفسه الغرور والعجب، دون أن يُخرجه ذلك إلى حد سوء الظن بالله أو اليأس من رحمته، ويجب على الإنسان التوازن بين سوء الظن وحُسن الظن بنفسه، حيث الإعتدال فى سوء ظنه بنفسه وإتهامه لها بالتقصير فلا يظلمها ولا ييأس من رحمة الله وعليه الإجتهاد فى الطاعات، وكذلك الإقتصاد فى حُسن الظن بنفسه حتى لا يرى مساوئها محاسن وعيوبها كمالًا فيصل إلى الغرور. 


أسباب سوء الظن 

- من أهم أسباب سوء الظن هو خُبث الباطن وسوء الطبع وسوء الأخلاق، وأمراض القلوب كالغيرة والحسد والغِلّ والأنانية والحقد على الغير وكراهيتهم. 

- سوء الفهم وإيقاع الإنسان لنفسه فى مواقع الريبة والشُبهات. 

- كما أن صُحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار وإفساد ذات البين. 


كيف تتخلص من سوء الظن؟ 

1. حُسن تنشئة الإنسان مُنذ الصغر بدءًا بالأسرة والمدرسة والمسجد والموعظة الحسنة، يُنمي ويغرس فيه الأخلاق الحميدة والقيم والمبادئ السامية. 


2. الإلتزام بالصلاة والدعاء وقراءة القرآن الكريم وتدبره، والإستعاذة بالله من الشيطان وذكر الله تعالى والتقرب إليه. 


3. مُجاهدة النفس وسلامة القلب من الحسد والحقد وكراهية الآخرين وترك تتبع عورات الناس وعيوبهم، يُعين الإنسان على إجتناب سوء الظن. 


4. عدم الإصرار على سوء الظن وتكييف النفس على حُسن الظن، وإلتماس الأعذار للآخرين وتنمية المشاعر الطيبة. 


5. صُحبة الأخيار الذين يعينون على طاعة الله وإجتناب المعاصي. 

6. الإبتعاد عن مواطن الريب والشُبهات، فالإنسان العاقل لا يضع نفسه فى موضع التُهم، وينتظر من الآخرين أن يُحسنوا الظن به. 


عاقبة سوء الظن 

- "إن بعض الظن إثم" كما ذُكر فى القرآن الكريم، أي أن الإنسان الذى يُسيئ الظن بالناس يأثم بذلك ويظلم الآخرين. 


- يتسبب سوء الظن فى كثرة الكذب وإتباع الهوى وما تشتهي النفس، فيضطر البعض إلى الكذب حتى لا يظن الناس به السوء. 

- سوء الظن سببًا فى الفراق بين الناس، وله آثاره السلبية التى تجعل البعض منعزلين من الناس لخوفهم منهم وظنهم بهم السوء. 


قصة مؤثرة عن سوء الظن بالناس 

يُحكى أنه في قديم الزمان كان هناك شابٌ ثري للغاية يُدعى إبراهيم، وكان والده يعمل في تجارة الجواهر الكريمة، وكان لإبراهيم مجموعة من الأصدقاء المقربين، تربطه بهم روابط صداقة ومودة قوية، ويؤثرهم على نفسه ويشركهم معه في كل خير، وكان يستضيف هؤلاء الأصدقاء فى بيته كثيرًا ويُكرمهم ويُطمعهم مما لذ وطاب من أفضل أنواع الطعام والشراب، ولا يبخل فى إعطائهم من أمواله، وهم بدورهم كانوا يجلونه ويحترمونه كثيرًا. 


ودارت الأيام دورتها ومرت السنوات ومات والده، وأفتقرت العائلة إفتقارًا شديدًا، وتغيرت أحوال إبراهيم من الغنى والثراء إلى الفقر الشديد، وضاق به الحال وأخذ يُقلب فى ذاكرته ويتحسر على أيام رخائه فى عهد والده، وتذكر أصدقاءه القُدامى الذين لم يتواصل معهم مُنذ فترةٍ طويلة، وعلم أن أعز صديقًا له وأكثرهم مودةً وقربةً منه قد أنعم الله عليه وأُثري ثراءًا لا يوصف، وأصبح هذا الصديق من أصحاب القصور والأموال والأملاك. 


فكر إبراهيم كثيرًا وقرر أن يلجأ إلى صديقه الحميم ربما يساعده ويرد له بعض الجميل ويتحسن حاله، وتوجه إليه عسى أن يجد عنده عملًا أو سبيلًا لإصلاح أحواله، وعندما وصل إلى باب القصر إستقبله حراس القصر والخدم فعرفهم بنفسه وذكر لهم صلته بصاحب القصر وما كان من صداقة ومودة قديمة بينهما، ذهب الخدم إلى سيدهم وأخبروه بما حدث، فنظر إليه من نافذة القصر من خلف ستارًا ليراه، فرأى صديقه رث الثياب وتبدو عليه آثار الفقر الشديد، فرفض لقاءه وأمر الخدم أن يخرجوا له ويخبروه بأن صاحب القصر لا يمكنه إستقبال أحد. 


سمع إبراهيم كلام الخدم وأصابته الدهشة لما سمعه وتألم ألمًا شديدًا وحزن على الصداقة كيف ماتت؟ وعلى القيم كيف ذهبت بصاحبها بعيداً عن الوفاء؟، وبينما هو يسير في طريقه للعودة قابل ثلاثة رجال يبدو عليهم أثر الحيرة وكأنهم يبحثون عن شيئٍ، فقال لهم: ما أمر القوم! فأجابوا: نبحث عن تاجر جواهر معروف يُدعى فُلانًا إبن فلان وذكروا إسم والده، فقال لهم: إنه أبي وقد مات مُنذ سنوات، فأخبروه بأن والده كان قد ترك لديهم أمانةً كبيرةً عبارة عن كيس كبير به قطعًا نفيسة من المُرجان، وبما أن الوالد قد توفاه الله فإننا سوف نعطيك تلك الأمانة وتركوا له كيس المُرجان ورحلوا، وتركوه وقد أصابته الدهشة لما حدث ولا يستطيع أن يُصدق ما يرى وما يسمع، وأخذ يتسأل: أين سيجد مشتريًا لأحجار المُرجان الغالية فى مثل هذه الأيام؟ وهو يعلم قيمتها جيدًا وأنه لا يشتريها سوى الأغنياء من الناس، لكن الناس فى بلدته ليس فيهم من يملك ثمن قطعة واحدة من هذا المُرجان! ومضى فى طريقه بُرهةً من الوقت حتى صادف فى طريقه سيدةً كبيرةً فى العُمر عليها آثار النعمة والثراء، وسألته السيدة: يا بُني؛ أين أجد جواهر للبيع فى بلدتكم؟ وقف إبراهيم مُتسمِرًا فى مكانه مُندهِشًا مما يحدث معه، ثم سألها: عن أي نوعٍ من الجواهر تبحثين يا سيدتي؟ فقالت له: أنا أريد شراء أي أحجار كريمة جميلة الشكل مهما كان ثمنها، فسألها: إن كان يعجبها المُرجان؟ فقالت: نعم المطلب، فأخرج لها ما معه من قطع المُرجان الجميلة فانبهرت السيدة بجمالها وأشترت منه عددًا من القطع ووعدته بأنها سوف تعود مرةً أخرى لشراء المزيد. 


وهكذا عادت حال إبراهيم إلى ما كانت عليه فى الماضي وتحولت إلى يُسرٍ بعد عُسر، وعادت تجارة الجواهر تنشط من جديد، وبعد حينٍ من الوقت تذكر إبراهيم ذاك الصديق الذى ما أدى حق الصداقة وتخلى عنه وقت الشدة، فبعث إليه بيتين من الشِعر بيد أحدٍ من الأصدقاء جاء فيهما:-


صحبتُ قومًا لئامًا لا وفاء لهم... يدعون بين الورى بالمكرِ والحيلِ

كانوا يجلونني مُذ كنت رب غنىً... وحين أفلستُ أعدوني من الهملِ

فلما قرأ الصديق بيتين الشِعر، كتب ثلاثة أبياتٍ ليرد بها على صديقه وأرسلها له وقد جاء فيها:-


أما الثلاثة قد وافوك من قِبلي... ولم تكن سببًا إلا من الحيلِ

أما من إبتاعت المُرجان والدتي... وأنت أنت أخي بل مُنتهى أملي

وما طردناك من بُخلٍ ومن قللٍ... لكن عليك خشينا وقفة الخجلِ


وهكذا فهم إبراهيم مقصد صديقه الغالي وأنه ساعده بأكثر مما كان يرجو منه، دون أن يُلحق به الأذى والخجل وذُل الفقر، وأنه لم يتحمل رؤية صديقه الحبيب فى هذه الحالة وقرر مساعدته دون علمه، حتى لا يجرح أو يؤذي مشاعره، وندم إبراهيم كثيرًا على سوء ظنه بصديقه، وندم أيضاً على ما أصاب به نفسه من حزنٍ وهمٍ، وتأثره بأشياءٍ كانت من صُنع خياله ولا حقيقة لها بالواقع. 


فليس أريح لقلب الإنسان في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حُسن الظن بالله وبالناس، فحُسن ظنه بالله يبعث فى نفسه الأمل وعدم اليأس من رحمة ربه ونعمه عليه التى لا تُعد ولا تُحصى، وكذلك بحُسن الظن بالناس يسلم من أذى الخواطر المُقلقة التى تؤذي النفس وتحزنها وتتعب الجسد. 



تعليقات

التنقل السريع