القائمة الرئيسية

الصفحات

الفضول والتطفل

الفضول والتطفل


ما هو الفضول؟ 

الفضول هو قدرة فطرية لدى الإنسان ولدى بعض الكائنات الحية الأخرى، خلق الله الإنسان عنده فضول لمعرفة كل شيئٍ حوله فى الحياة، وذلك حتى يُعمر الأرض ويستكشف ويفهم ما يدور في الكون من حوله، والفضول بشكلٍ عام من الصفات الإيجابية التى تُحرك الإنسان نحو العلم والمعرفة وتحقيق النجاح، وهو موجود داخل كل إنسان مُنذ الصغر فما أكثر الفضول عند الأطفال! ولكن بنسب متفاوتة ولا يوجد إنسان لا فضول له، لكنه إذا زاد عن حده يظهر له جانبٌ سلبي له أضراره وأخطاره التى تُدمر الفرد والمجتمع، لذلك يجب أن يتحلى الإنسان بالحكمة والتوازن فى تعامله مع الفضول، ومحاولة الإستفادة من الفضول الإيجابي فقط والذي يدفعه لشغف التعلم وحب المعرفة والثقافة، التى تؤدي به للوصول إلى النجاح والتفوق فى حياته، ودراسة بعض الأمور التي تجذب إنتباهه وتُثير إهتمامه، كالبحث العلمي أو البحوث الإجتماعية أو دراسة بعض الظواهر الطبيعية أو السياسية أو فى صناعة وإبتكار كل ما هو جديد ومفيد للبشرية، فهو قوة دافعة وراء وصول العلماء إلى كل ما وصلوا إليه من أبحاث وتجارب علمية، ولذا يجب توجيه تلك القوة إلى ما ينفع ولا يؤذي النفس أو الغير، وإستغلالها فى التعلم وتنمية المهارات الشخصية وتطوير الذات ومواكبة العصر  بتحديث المعلومات والأفكار الجيدة بشكلٍ دائم، الفضول من أهم خصائص العقل النشط الذى يبحث بإستمرار عن إجابات وحلول لكثير من الأسئلة أو المشاكل التي تواجهه، ويكون الفضول محمودًا إذا لم يتجاوز الحد الطبيعي، فإذا قل فضول الإنسان عن الحد صار لديه لا مُبالاة للأمور  المحيطة به مما يصيبه بداء البلادة، وإذا زاد عن الحد الطبيعي إنقلب إلى تطفل.


ما الفرق بين الفضول والتطفل؟ 

الفضول بوجهه الإيجابي يجعل صاحبه دؤوبًا للمعرفة لكنه لا رغبة له ولا وقت ولا دافع له للإهتمام بأمور الآخرين الخاصة، وفضوله يُحفزه إلى الإكتشاف والإختراع والإبتكار ويدفعه للنجاح.


 أما الفضول بوجهه السلبي (التطفل) فهو يجعل صاحبه مُنشغلًا بما لا يعنيه فى حياة الآخرين، ولديه رغبةً فى التلصص ومراقبة الآخرين وتتبع أخبارهم، ويضيع وقته وجهده فى هذا العمل المذموم، ويؤدي به حتماً إلى سماع ما لا يرضيه ووصفه بما لا يعجبه. 


ينتهك الشخص المُتطفل خصوصيات الآخرين بأسئلته عن كل تفصيلة صغيرة أو كبيرة، ولا تُشبع فضوله إجاباتهم العامة حول بعض الشئون الخاصة، بل ولا يرضيه عدم الإفصاح أو البوح بأسرارهم بشكلٍ واضح، حتى ولو كان الأمر يتعلق بأوضاع صحية حساسة أو قضايا عائلية خاصة. 


والأخطر من ذلك إن الشخص المُتطفل لا يحتفظ بتلك المعلومات التي وصل إليها بطريقته الفظة وإرغامه للآخرين على البوح بأسرارهم الخاصة له، لكن الأمر يتخطى ذلك فيبدأ فى ترويج تلك المعلومات الخاصة ونشرها وبث الإشاعات حولها مما يُسيئ إلى سُمعة الآخرين ويتسبب فى إيذائهم. 


الشخص المُتطفل لا يستشعر المبادئ الإنسانية الراقية ولا يتماشى مع التطور والتقدم والرُقي الأخلاقي، حيث لا يحترم القيم الأخلاقية والمُثل الإنسانية الراقية ولا يُقيم لها وزنًا، فهو يحشر أنفه فيما لا يعنيه ويطلع على أسرار وعورات الآخرين. 


فالفضول الزائد ليس فقط أحد طرق إقتحام حياة الآخرين وكشف أسرارهم دون رغبةٍ منهم، بل هو أيضاً أحد أهم الأسباب لزرع الكراهية والضغينة بين الناس. 


عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال:-  "من حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".. (رواه الترمذي). 


يوضح لنا رسولنا الكريم في هذا الحديث الشريف أن من حُسن الإسلام أن يبتعد المسلم عن ما لا يعنيه وأن يترك ما لا علاقة له به وأن يعتدل فى أموره كلها ولا يكون ثرثارًا فى الحديث ولا يتدخل في أمور الآخرين، فإن إشتغال الإنسان بشئونه وإنفاقه لوقته وجهده فى ما يعود عليه بالنفع يعني حُسن إسلامه وكمال دينه، ثم لو تبقى لديه وقت فراغ ينفقه فى ما يعود على نفسه وعلى غيره بالخير، أو فى العبادة والطاعة أو فى توجيه من يملك توجيههم إلى سُبل الحق والرشاد والفلاح.


 ورُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:- " راحة النفس ترك ما لا يعنيها" أي أن عدم التدخل في شئون الآخرين الخاصة يجلب راحة النفس، فالعاقل هو من ينشغل بما يعنيه فى حياته ويفيده فى مستقبل أيامه ويعتني بأموره، أما السفيه فهو من ينشغل بما لا يعنيه من أمور الآخرين ويترك ما يعنيه ويهمله. 


أسباب الفضول السلبي  

الفضول السلبي وهو عادة سيئة للغاية، يعني الرغبة في التلصص ومراقبة الآخرين وتتبع أخبارهم، ويأتي هذا النوع من الفضول من باب الحسد وكراهية الآخرين، فيفسد الود بين الناس كما يهدم العلاقات الطيبة ويُزعزع الثقة والترابط بينهم، والشخص الفضولي المُتطفل لديه فراغ يسعى دائماً لملئه بأي شيئٍ على حساب الآخرين، فيفتش عما يخفيه الناس ويكشف عوراتهم، وأحياناً يكون تدخل الشخص المُتطفل نابعًا من رغبته فى التسلية وملء الفراغ، أو رغبته فى إستعراض قدراته على أنه صاحب الرأي السليم الأوحد فى كل الشئون والقضايا، وله الحق فى حشر أنفه في كل شئون الآخرين. 


كما يكتسب الشخص المُتطفل هذه العادة السيئة من بيئته التى نشأ فيها مع غياب التوعية والإرشاد، أو بسبب معاناته من عُقدة نقص أو شُحنات سلبية  تدفعه للبحث فى حياة الآخرين الذين يتوهم أنهم أفضل منه ويحصلون على أشياءٍ كثيرة يفتقدها فى حياته ومن حقه معرفتها، أو هواية يُمارسها ليتسلى بالحديث عن خصوصيات الآخرين وقضاياهم الخاصة، لإيذائهم والتقليل من شأنهم، ويكثُر الفضول السلبي فى بعض المجتمعات المتخلفة التى ينخفض فيها مستوى التعليم ويقل فيها الوعي، حيث ينتشر فيها التدخل في شئون الآخرين فى كل كبيرة وصغيرة، ويندُر فى المجتمعات الراقية والمتحضرة التى يرتفع فيها مستوى التعليم والوعي الإجتماعي، وزيادة الأعباء والإهتمام بالذات والإنشغال بالأهداف الشخصية والعمل والتقدم والنجاح. 


تأثير الفضول السلبي على الفرد والمجتمع 

يدفع الفضول والتطفل صاحبه لكشف ما هو مستور فى حياة المحيطين به، مما يُسبب لهم الألم أوالحرج أو الخوف بعد كشف ما حاولوا إخفاءه، ومثل هذه المشاعر المؤلمة لها أثرها فى نفوس الناس، وتكون سببًا حتميًا لكراهيتهم للشخص الفضولي المُتطفل الذى إقتحم خصوصياتهم وأطلع على أسرارهم التى لا يريدون إعلانها. 


إنعدام الثقة في الشخص الفضولي، حيث أنه يقتحم خصوصية الغير ببساطة وإستهانة شديدة بالأمر، تجعلهم ينفرون منه ويبتعدون عن مجلسه، ليتحاشوا الدخول معه في حوار قد يجر إليهم سلسلة من الأسئلة التي لا يريدون التطرق إليها أو الحديث عنها. 


إنتشار التفكك وعدم الترابط الإجتماعي، لا شك أن إنعدام الثقة بين الناس والخوف من هتك أسرار حياتهم سببًا قويًا فى إنطواء البعض وعزلتهم عن الآخرين، فى حين أن جميع الناس يحتاجون إلى هذا الترابط الإجتماعي والتعاون الذى يُقوي العلاقات الطيبة كالصداقة والأخوة والجيرة والزمالة. 


غضب المجتمع وسخطه على الشخص الفضولي المُتطفل والذي ربما يصل إلى حد العداوة، فالشخص الفضولي يصنع لنفسه عدوًا مع كل محاولة تطفل منه على الآخرين، حتى يعاني من الوحدة وعدم وجود الأصدقاء والأحباب، الذين لا غنى عن وجودهم عند المرض أو كِبر السن، ويأتي وقتًا لا يجد من يزوره أو يأنس به أو يستمتع بمشاركته أفراحه وأحزانه. 


الفضول السلبي والتدخل الزائد فى شئون الآخرين يقتل روح التعاون والفريق فى مجال العمل، الأمر الذى يؤدي إلى ضعف الإنتاجية. 


التفكك الأسري وقطع صلة الرحم والقرابة، فالشخص الفضولي لا يرحم الأغراب عنه ولا أقرب المقربين منه كأولاده الراشدين وإخوته وأقاربه من أسئلته التطفلية مثل: كم راتبك؟ ماذا تملك؟ ما هى مدخراتك؟ ما هى مشترياتك وحاجياتك؟... إلخ، وعادةً يُبرر ذلك كاذبًا بإهتمامه بهم وليطمئن على أحوالهم، أو بغرض إسداء النصيحة لهم أو أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المُنكر، وينسى أن النصيحة لا قيمة لها فى حال إنعدام رغبة الآخرين فى الإستماع إليها. 


إنتشار الأخبار الكاذبة وترويج الشائعات فى المجتمع، مما يؤثر فى حياة بعض الناس وقد يصابوا بنوع من الإكتئاب. 


تعود بعض الناس على الكذب بهدف تزييف الحقائق والمعلومات أمام الشخص الفضولي. 


كيف تحافظ على خصوصية حياتك؟ 

يحاول الإنسان جاهدًا كتم أسراره والحفاظ على خصوصيته وحماية شئونه الخاصة من تطفل الآخرين، والخصوصية حقٌ من حقوقه المشروعة التى كفلتها له الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ويجب أن يُراعى هذا الحق ويُصان ولا يتم قمعه بأسئلة خرافية عن مأكله وملبسه وعمله وراتبه بشكل مُثير للجدل والإشمئزاز. 


الخصوصية هى حقٌ لكل فرد على الجماعة التى ينتمي إليها وذلك بعدم التدخل في شئونه الخاصة، ما دام لا يضر أو يخل بحقوق الآخرين، وهى من أهم الأمور التي ينبغي عليك الحفاظ عليها وعدم تركها فريسة للمُتطفلين، فكيف تحافظ عليها وتحميها من الإقتحام أو التهديد؟ 


1- يجب عدم الخوض فى أي أحاديث خاصة في أي تجمعات ولقاءات ورحلات مع الأصحاب أو زملاء العمل أو بين الجيران، حتى لا تُتيح لهم الفرصة لطرح أسئلتهم الفضولية حول أمورك الخاصة،  فتنتهك خصوصيتك قبل أن ينتهكها الآخرون،  ولكن يكون الحوار فى الأمور المشتركة التى تهم جميع الحاضرين،  كالحديث فى الرياضة أو الأمور السياسية والإقتصادية والإجتماعية العامة.


2- وضع حدود فاصلة بين العمل والحياة الخاصة أو العائلية، بحيث لا يستطيع زملاء العمل الإطلاع على أسرار أسرتك، ولا يتخطوا حدودهم فى التدخل أو إبداء الرأي فى تصرفات أفراد الأسرة، مما يتسبب فى هدم بعض الأسر السعيدة وإفساد علاقات خاصة. 


3- تجنب إجراء المكالمات الخاصة مع  أحد أفراد أسرتك أمام الآخرين من الجيران والأصحاب والزملاء، وعدم البوح بكافة الأمور أو المشاكل التي تدور في المنزل، لأن ذلك يمنح المُتطفل فرصة ذهبية للنقاش والتدخل فى الأمور الخاصة، ويبدأ إلقاء أسئلة لا حصر لها حول ما قد يسمعه ويُثير فضوله. 


4- الحذر من مواقع التواصل الإجتماعي، وعدم نشر أو مشاركة الصور والمواقف وتفاصيل الحياة الخاصة على صفحات التواصل الإجتماعي، من المؤكد أن ما تنشره سوف يشاهده ويقرأه الكثير من الناس ومن بينهم الفضولي والمُتطفل ومن يحشر أنفه فيما لا يعنيه، وبالطبع هناك بعض الناس الذين ترتاح للحديث معهم وهم يتمنون لك الخير وهؤلاء يُمكنك التواصل معهم بصفة خاصة، للإستئناس بهم ومشاركتهم فى الأمور الهامة في حياتك وأنت مطمئن إليهم، ولكن هناك العديد من الناس الذين لا يحبون لك الخير، فلا تجعل من حياتك الخاصة مادة خصبة لهم ليتبادلوا النقاش فيها، فتصبح أنت وذويك محط أنظار الجميع وعُرضة للحسد على ما نشرته وأعلنته من نعم الله عليك وعلى أسرتك. 


5- لا داعي للهمس إلى من تُحب أو تُصادق على مسمع أو مرأى من الآخرين، حيث أن هذا ربما يُثير غيرة الآخرين وفضول المُتطفلين لمعرفة ما تتحدث فيه ومحاولة التدخل بأي طريقة لسماعه. 


6- إظهار الإستياء وعدم الإرتياح من أسئلة الشخص الفضولي، وبيان عدم إهتمامك وعدم ميلك لمثل هذه الأسئلة، أو أجب على أسئلتهم بإجابات مُقننة أو إجابات تحمل أكثر من معنى، أو التجاهل بطريقة ذكية حتى تستطيع الخروج من الموقف. 


7- محاولة الإبتعاد عن الأشخاص الفضوليين والمُتطفلين قدر الإمكان، وتجنب الإجتماع معهم ومشاركتهم الأحاديث، وإذا إضطرتك الظروف للإجتماع معهم فحاول عدم الإفصاح عن أي أمور خاصة في وجودهم، ومحاولة تحويل موضوع الحديث إلى مُزحة دون إبداء إجابة واضحة وصريحة. 


كيف تتخلص من عادة الفضول؟

على الإنسان المُبتلى بعادة الفضول والتطفل على شئون الآخرين الخاصة السعى للتخلص من هذه العادة السيئة، وذلك من خلال:-


-زيادة الإهتمام بالذات والإنشغال بما يعني الإنسان من أمور نفسه، حتى لا يشغله إهتمامه بالغير عن أموره الشخصية التى هى أولى بإهتمامه. 


-الإهتمام بالعلوم النافعة والمعرفة، كلما زاد علم الإنسان إرتقى فى إهتماماته وتوسعت رؤيته وآفاقه واهتم بالوصول إلى النجاح في تحقيق أهدافه. 


-ملء أوقات الفراغ بما هو مفيد، يساعد الإنسان على التخلص من عادة الفضول والتطفل، حيث يصبح لا وقت عنده للحديث عن فُلان أو فُلانة،  فيصبح وقته مشغول دائماً ولا يرغب فى إهداره. 


-تدريب النفس وترويضها على عدم التدخل في شئون الآخرين، واحترام خصوصياتهم. 


-تنمية المهارات وإستغلال الطاقات والقدرات الخاصة والهوايات التى منحك الله إياها، والتى ربما تكون سببًا من أسباب جلب الرزق وطريقًا للنجاح والحياة الكريمة. 


-عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، فالعلاقات الحسنة والطيبة تربط الناس ببعضها، فلا تحرم نفسك من إلتفاف المحبين حولك عندما تحتاج إلى عونهم ومساندتهم، فالفضول والتطفل سلوك يُنفر الناس منك فيتركوك وحيدًا فى الحياة. 




تعليقات

التنقل السريع