القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة سيدنا موسى عليه السلام .. الجزء الثاني

قصة سيدنا موسى عليه السلام .. الجزء الثاني


قصة سيدنا موسى عليه السلام .. الجزء الثاني

عودة موسى إلى مصر بأمر الله رسولًا

عاد موسى إلى مصر بعدما خرج منها هاربًا على أثر وكزه لأحد المصريين وكزةً أفضت به إلى الموت، وكان موسى قد أمضى حِقبةً طويلةً من الزمن بأرض مدين، سار موسى بزوجته وولديه من أرض مدين فى فصل الشتاء واستاق غنمه، فى ليلة شديدة البرودة، ضل موسى الطريق وأراد أن يوري نارًا يستهدون بها ويستدفئون عليها، لكن زنده لم يقدح نارًا، وكانوا بالقرب من جبل الطور، رأى موسى نارًا ذات وهجٍ ونورٍ ففرح وقال لأهله: امكثوا؛ إني آنستُ نارًا لعلي آتيكم منها بقبسٍ أو أجد من يهدينا إلى طريقنا. 


{إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى} [من سورة طه :الآية 10]


وجد موسى النار فى شجرةٍ صغيرة، وليس بجوارها أحد فتعجب من أمر النار التى لا تحرق الشجرة ولا تنطفئ، وعندما دنا منها إستأخرت عنه! فتملكته الرهبة وأوجس فى نفسه خيفةً، فارتد عنها ليرجع، إلا أنه سمع صوتًا أنست له نفسه واطمأن له قلبه، الصوت يقول له مُناديًا: يا موسى؛ إني أنا رب العالمين، فاخلع نعليك إنك بالواد المُقدس طوىً وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى، خلع موسى نعليه ووقف خاشعًا بين يدي الله، يستمع إلى ما يوحى إليه من آياتٍ بيناتٍ.


أوحى الله إلى نبيه موسى وكلفه أن يحمل الرسالة إلى فرعون وقومه، طلب موسى من ربه أن يُرسل معه أخاه "هارون"، وقال: إن هارون أفصح منه لسانًا. 


{قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ(33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ(34)} [من سورة القصص: الآيات 33، 34]


معجزات وآيات الله لموسى 

أمر الله موسى أن يُلقي عصاه فألقاها فإذا هى حيةٌ تسعى، فلما رأى موسى عصاه قد صارت حية تهتز وتتحرك كأنها جان، ولى مُدبرًا خائفًا فناداه ربه: لا تخف يا موسى إنك من الآمنين، خذها سنعيدها إلى سيرتها الأولى، ثم أمره أن يضع يده فى جيبه ثم يُخرجها، فخرجت بيضاء تشع نورًا، ثم أعادها إلى جيبه وأخرجها يدًا آدمية سمراء كما كانت من قبل، ثم مد يده بين فكي الحية فإذا هى فى يده عصاه بحالتها الأولى، حمل موسى الرسالة ومعه المُعجزات من الله تعالى، ورجع إلى أهله بالهدى والنور، ليُنفذ أوامر ربه ويُبلغ رسالته.


{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ (18) قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ (19) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ (20) قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ ۖ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ (21) وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23)} [من سورة طه : الآيات 17-23].


رسالة موسى وهارون 

أوحى الله إلى موسى وهارون أن يذهبا إلى فرعون، ويقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر ويخشى، خاف الرسولان أن يفرط فرعون الطاغية عليهما وينالهما منه السوء، لكن الله تعالى قال لهما: لا تخافا إني معكما أسمع وأرى ما يجري بينكما وبينه، وسأصرف شره عنكما واحفظكما من بطشه. 


ذهبا موسى وهارون إلى فرعون، وأخبراه بأنهما رُسل رب العالمين، وطلبا منه أن يُرسل معهما بني إسرائيل جميعًا ليخرجاهم من مصر إلى حيث يعبدون ربهم بعيدًا عن الإضطهاد والذُلّ والعبودية، سَخِرَ فرعون من قولهما فى مجلسه وسط الوزراء والكبراء وجميع الحاضرين، وسأل: من ربك يا موسى؟، فأجاب موسى: ربنا الذى خلقنا وهدانا، رب السموات والأرض وما بينهما، رب المشرق والمغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون. 


واستمر موسى فى تعريف فرعون والحاضرين حقيقة الألوهية، ومن هو الله الذى تجب عبادته. 


ضاق فرعون بقول موسى ووصفه بالجنون، وقال مُهددًا: لئن اتخذت إلهًا غيري لأجعلنك من المسجونين، عندئذ لم يجد موسى بُدًا من أن يُظهر لفرعون آية الله ومُعجزاته لعله يرجع للحق. 


فألقى موسى عصاه على الأرض فإذا هى ثُعبان يتحرك ويسعى أمام الحاضرين، فزع فرعون وقومه وتملكهم الرعب وأسرع بعضهم للفرار، والبعض الآخر صاح على موسى يُناشده أن يحول بينهم وبين هذا الثُعبان المُخيف. 


وضع موسى يده فى جيبه ثم أخرجها أمام أعين الناس المملؤة بالرعب والفزع يدًا بيضاء تشع ضياءً مثل قبس النور، ثم أعادها إلى جيبه وأخرجها يدًا آدميةً سمراء كما كانت من قبل، ثم مد موسى يده بين فكي الثُعبان وقبض عليه فإذا هو فى يده عصاه بحالتها الأولى، إندهش الحاضرون وتعجبوا وقالوا: إن هذا لساحرٌ عليم. 


أمر فرعون وزيره "هامان" أن يبني له صرحًا عاليًا لعله يبلغ السموات ويطّلع على إله موسى، وأمر جنوده بجمع السحرة من جميع أنحاء البلاد، كي يأتوا بما يُكذِب ما جاء به موسى من آياتٍ بيناتٍ. 


موسى والسحرة 

وفى اليوم الموعود "ضحى يوم العيد" إجتمع السحرة فى قصر فرعون ليواجهوا موسى ويبطلوا بقوة سحرهم ما يدعيه، وجاء موسى يتكئ على عصاه ومعه أخوه هارون، ووجد فرعون وقد إلتف وزراؤه وكبار رجال الدولة حوله، وحُشِر السحرة جميعًا فى جانب الساحة وتركوا الجانب الآخر لما يلقون فيه من عِصيهم، وقالوا:يا موسى؛ أتُلقي أولًا أم نُلقي نحن؟ فأجابهم: بل ألقوا ما أنتم مُلقون، فقالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون. 


ثم ألقوا بعِصيهم وحبالهم فخُيل لموسى والحاضرين من سحرهم أنها حياتٍ تسعى، ففرح فرعون وشعر بالنصر وقد ملأت الحيات الساحة لكثرتها، وأخذ يُزاحم بعضها البعض. 


خاف موسى وأتجه إلى ربه، فأوحى الله إليه أن: لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما بيمينك تلقف ما صنعوا، زال الخوف عن موسى وقويت نفسه بوعد الله له، فألقى عصاه وهو يقول: إن الله سيبُطل ما جئتم به من السحر، إنه لا يصلح عمل المُفسدين. 


صارت عصا موسى حيةً كبيرةً، فإذا هى تلقف بداخل فمها ما أتى به السحرة من سحر!! حتى خلت أرض الساحة من حيات السحرة جميعها، ولم يبقى غير حية موسى، على مرأى من جميع الناس الذين جمعهم فرعون وقد إتسعت عيونهم دهشةً وعجبًا، وهم ينظرون إلى فرعون ويعاينون فشله وخذلانه، ثم رأى فرعون كبار السحرة وهم يسجدون بين يدي موسى وارتفعت أصواتهم يقولون: آمنا برب العالمين، رب موسى وهارون!! 


{قَالُوا يَا مُوسَىٰ إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ (115) قَالَ أَلْقُوا ۖ فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ (116) وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ۖ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118) فَغُلِبُوا هُنَالِكَ وَانقَلَبُوا صَاغِرِينَ (119)} [الأعراف : 115-119].


غضب فرعون وأنتفخت أوداجه حتى كادت تنفجر من شدة الغضب والغيظ، وصاح قائلًا للسحرة: آمنتم له قبل أن آذن لكم؟! واتهمهم بالإتفاق مع موسى، وهددهم بقطع أيديهم وأرجلهم من خلافٍ، وصلبهم فى جذوع النخل وتعذيبهم، فأجاب السحرة: إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر، والله خيرٌ وأبقى، صاح فرعون بأعلى صوته: أنا ربكم الأعلى، وأمر أن يُساق السحرة للعذاب، لكن الله أنزل على قلوب السحرة المؤمنين السكينة والطمأنينة، فلم يبالوا بحُكم فرعون بل إستهانوا بتهديده وكفره، ورفعوا وجوههم إلى الله قائلين: ربنا أفرغ علينا صبرًا؛ وتوفنا مسلمين، ونُفِذ حُكم فرعون فى السحرة بالعذاب والموت. 


سبحان الله العظيم!! كان السحرة فى الصباح كفارًا من أهل النار، وفى نهاية اليوم كانوا فى أهل النعيم. 


وترك إيمان السحرة أثرًا كبيرًا فى نفوس الحاضرين، إلا أنهم أصابهم الخوف والرهبة لِما أصابهم من عذاب فرعون، ونالت "آسية" زوجة فرعون التى ربت موسى صغيرًا نفس المصير، فقد عذبها فرعون وارتضت الموت فى سبيل الله، وماتت فى العذاب وهى تقول: رب ابن لي عندك بيتًا فى الجنة، ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين. 


خروج موسى وهارون وبني إسرائيل من مصر

ولما جاء أمر الله إلى موسى بخروجه وهارون وبني إسرائيل، وأذِن له فى السير بهم، أعلم موسى شيوخ بني إسرائيل بنيته فى الخروج بصحبتهم من مصر إلى حيث الأرض التى وعدهم الله. 


وأخذت النساء الإسرائيليات من المصريات حُليهن وزينتهن للإحتفال بيوم العيد، وخرج بنو إسرائيل مُتسللين مُتفرقين إلى المكان المُتفق عليه للقاء، وتسلل نفرٌ يحمل تابوت "يوسف" عليه السلام، الذى أخرجوه من مدفنه ليحملوه إلى فلسطين، وساروا على بركة الله وهارون فى مقدمتهم وموسى فى مؤخرته، حتى اقتربوا من حدود مصر وبلغ خبرهم إلى فرعون فجُنّ جنونه. 


هلاك فرعون وجنوده

وسرعان ما خرج فرعون وجنوده مُستعدين للحرب، وبالقرب من البحر تراءى الجمعان، ونظر بنو إسرائيل خلفهم فرأوا فرعون وجنوده وهلعت قلوبهم، فطمأنهم موسى: إن معي ربي سيهدين، فتقدم موسى من المؤخرة إلى المقدمة وضرب بعصاه البحر كما أمره الله، فانفلق البحر فلقتين، وأشار إلى قومه بالعبور على أرضٍ يابسةٍ، بلغ فرعون مكان العبور مذهولًا لما يراه أمامه!، وفى كبرياء وإستبداد أمر فرعون جنوده أن يتبعوه للحاق ببني إسرائيل، وبالفعل إندفع للعبور بجنوده وخيولهم، وحينما اجتاز آخر شخص من قوم موسى طريق البحر حتى الشاطئ الآخر، ووصل مقدمة جيش فرعون إلى آخر الطريق ومؤخرته تجاوزت أول الطريق، فانطبق البحر على فرعون ومن معه، وطوى فى جوفه الطاغية وجنوده وهلكوا جميعًا، ونجا الله موسى وهارون والمؤمنين. 


وبحكمةٍ من الله قذف الموج جثة فرعون ليراها بنو إسرائيل ويتيقنوا من هلاكه، ولا تزال جثته مُحنطة فى المُتحف المصري حتى الآن، كما كان المصريون يحنطون جثث موتاهم. 


تذمر بني إسرائيل وعنادهم 

سار موسى بقومه وهم فرحون بنجاتهم وهلاك عدوهم، والنساء يضربن بالدفوف ويرقصن، ثم ضل قوم موسى الطريق، إلى أن وصلوا فى طريقهم إلى قومٍ يعبدون الأصنام،  فمالوا لعبادة الأصنام، وقف فيهم موسى يعرفهم بالله حق المعرفة وينصحهم ويرشدهم، وأوحى الله إلى موسى إن موعده معه جانب جبل الطور الأيمن بعد صوم شهرٍ، ووعده بكتابٍ فيه تعاليم الله التى تُبين لهم الحلال من الحرام وتُفرق لهم بين الطيب والخبيث. 


*إتجه موسى إلى ربه يسأله الماء كما طلب منه بنو إسرائيل، فأمره الله أن يضرب بعصاه الحجر فانفجرت له إثنتا عشرة عينًا من الماء، فشربوا ورووا عطشهم وترعرعت أجسامهم. 


*ذهب بنو إسرائيل إلى موسى مُتذمرين يشكون إليه قلة الطعام، فتوجه موسى إلى ربه ثانيةً يسأله الطعام لقومه، فاستجاب الله دعاءه، وأنزل لبني إسرائيل المنَّ والسلوى، المنَّ: مادة حلوة وشهية على أوراق بعض الأشجار، والسلوى:  طائر السماني يأتي إليهم أسرابًا مُتلاحقة كاد يُغطي الأرض بكثرته، وأقبلوا على إلتهام المنَّ وعلى ذبح طائر السماني وشويهه وأكله، حتى شبعوا وامتلأت بطونهم. 


*ثم ذهبوا إلى موسى مُتذمرين يشكون إليه الظِل، فهم يريدون المكان الظليل ليحتموا فيه من شدة حرّ الشمس، فاستجاب الله له وساق له الغمام الكثيف كالمظلة الواسعة فوق رؤوسهم فوقاهم حرّ الشمس ولطف لهم الهواء. 


آن إلى موسى أن يذهب إلى ميقات ربه، وترك هارون خلفًا له ورئيسًا عليهم أثناء غيابه شهرًا، ثم يعود إليهم بكتاب الله وتعاليمه وإرشاداته التى يسيرون عليها ويعملون بها. 


موسى كليم الله 

حان ميقات الله ووجب على موسى الإستعداد لمُخاطبة الله، فى سفح جبل الطور الأيمن حيث كلمه الله أول مرة، إعتكف موسى بالجبل وحيدًا صائمًا كما أمره الله، حتى خاطب ربه من فوق الجبل، وأراد موسى أن يرى الله، قال الله تعالى: لن تراني يا موسى؛ ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني، وتجلى الله للجبل ودُك الجبل دكًا، وخرّ موسى صعِقًا، وبعدما أفاق قال الله له: يا موسى إني إصطفيتك على الناس برسالاتي وكلامي؛ فخُذ ما آتيتك وكُن من الشاكرين. 

{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143) قَالَ يَا مُوسَىٰ إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ (144)}

 [سورة الأعراف : الآيات 143-144].


ورجع موسى إلى قومه ومعه الألواح التى كتبها الله له، وأحضر لهم أسفار التوراة ليتبعوا هُداها، لكنه كان غضبان لِما أخبره الله بما فعله قومه فى غيبته، فعندما عاد وجدهم إتخذوا العجل إلهًا وأضلهم "السامري"، غضب موسى من أخيه هارون وأخذ برأسه يجره ويجذبه من  لحيته، وأعتذر هارون لأخيه موسى لأن القوم استضعفوه وكادوا يقتلوه، عندما نهاهم عن إتخاذ العجل إلهًا. 


{وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَىٰ إِلَىٰ قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِي ۖ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ ۖ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ ۚ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأعراف:الآية 150]

أدرك بنو إسرائيل أنهم قد أخطأوا وضلوا، وأبدوا أسفهم عما فرط منهم فى حق الله، وأمرهم موسى أن يتوبوا إلى الله؛ لعل الله يتوب عليهم من بعد أن ظلموا أنفسهم. 


خرج موسى ومعه سبعون رجلًا من بني إسرائيل إلى جبل الطور بإذن الله، يسألوا الله التوبة والعفو والمغفرة على لسان موسى، وسمعوا مُناجاته لربه وسمعوا كلام الله لموسى دون أن يروا شيئًا، تمرد بنو إسرائيل كعادتهم وقالوا: يا موسى؛ إنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرةً!!، فصعقهم الله وخرّ موسى لله مُتضرعًا مُتذللًا مُتوسلًا يسأل الله العفو والغفران. 


بعث الله لموسى السبعين رجلًا بعد موتهم واحدًا بعد واحدٍ، لينظر من بُعث أولًا كيف يُحيي الله من بعده، ويتعجبوا من قدرة الله وكيف يُميت ثم يُحيي، وعاد موسى إلى قومه بعد أن عفا الله عنهم ليعلمهم ويرشدهم ويبصرهم بأوامر الله ونواهيه. 


مرت الأيام على موسى وهو يُلقن بني إسرائيل أحكام وتعاليم دينهم كما جاءت فى التوراة، حتى عاودتهم نزعة التمرد والعصيان وقالوا: يا موسى؛ لن نصبر على طعامٍ واحدٍ، فادّع لنا ربك يُخرج لنا مما تُنبت الأرض، فإنا نُريد أصنافًا مختلفة من الطعام كما تعودنا فى مصر، دُهش موسى من قولهم، وسألهم مُستنكرًا: أتستبدلون ما أعطاكم الله من طيباتٍ بهذا الذى تطلبون؟! 


{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ} [ سورة البقرة :الآية 61]


اجتاز موسى بقومه سهول شبه جزيرة سيناء من الجنوب إلى الشمال حتى ما قارب بهم حدود فلسطين، ليدخلوا الأرض المُقدسة التى كتبها الله لهم، لكنهم قالوا لموسى فى إصرارٍ وعنادٍ: إنا لا نستطيع دخولها معك إن فيها قومًا جبارين، فاذهب أنت وربك فقاتلا؛ إنا هاهنا قاعدون، وذلك لأنهم علموا أن الرجال فى هذه الأرض كانوا أقوياء وعمالقة، كبار الأجسام جبابرة؛ فهابوهم وجزعت نفوسهم، ولم يستطع موسى صبرًا إزاء ما لقي من عناد قومه وتمردهم وتذمرهم وسخف عقولهم، فخرج موسى عن حلمه وصبره مع قومه وقال: رب؛ إني لا أملك إلا نفسي وأخي، فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين. 


أجاب الله سؤال موسى وحَّرم على بني إسرائيل دخول الأرض المُقدسة التى خرجوا من مصر ليدخلوها جزاء كِبرهم وعنادهم وعصيانهم، وأن يتيهوا فى الأرض أربعين سنة لا يعرفون لهم بلدًا ولا مستقرًا.


اتهم بنو إسرائيل موسى بقتل أخيه هارون، حين مات هارون وهو معه بجبل هود ودفنه كما أمره الله، وأراهم الله بآياته هارون وليس به أثر لقتلٍ، ومات موسى دون أن تطأ قدمه الأرض المُقدسة، لكنه صعد فوق الجبل وتطّلع إليها كما أمره الله، ومات ودُفِنَ فوق الجبل. 






تعليقات

التنقل السريع