الغِيبة والنميمة
ما هى الغِيبة؟
هى ذِكر الإنسان أخاه المسلم بما يكره من العيوب وهى فيه، أي ذِكر العيب بظهر الغيب، ذكره فى غيبته بلفظٍ أو إشارةٍ أو تقليد حركاته، وهى خُلق نهى عنه الإسلام، وهى من أمراض اللسان ومن أسباب تقطيع روابط الألفة والمحبة بين الناس، وتدل على خُبث من يفعلها، وعلى مرض قلبه ونفسه، فهى مرض من أمراض القلوب والأنفس كالحسد والظلم، كما أنها تُفسد سائر عبادات المُغتاب من صلاة وصوم وغيرهما من العبادات.
رُوي أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام: من مات تائبًا من الغِيبة فهو آخر من يدخل الجنة، ومن مات مُصرًا عليها فهو أول من يدخل النار.
• الغِيبة فى السُنة النبوية
الغِيبة مُحرمة بالكتاب والسُنة والإجماع.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟"، قالوا: "الله ورسوله أعلم"، قال: "ذِكرك أخاك بما يكره"، قيل: "أفرأيت إن كان فى أخي ما أقول؟"، قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته."(صحيح مسلم)
الغِيبة مظهر من مظاهر شؤم المعاصي التى تتعلق بحقوق العباد، فيُخطئ العبد فى حق أخيه ولا يتمكن من التحلل منه، فالتحلل من المظلوم الذى يغتابه العبد واجبٌ شرعي.
حض الرسول صلى الله عليه وسلم على التحلل من المظلوم فى الدنيا فقال:" من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيئ فليتحلله منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمكل صالح أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه." أخرجه البخاري.
رُوي عن أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغِيبة وقال:" من اغتاب امرًأ مسلمًا بطل صومه، ونُقِض وضوؤه، وجاء يوم القيامة تفوح من فيه رائحة أنتن من الجيفة، يتأذى بها أهل الموقف، فإن مات قبل أن يتوب مات مُستحِلًا لما حرم الله عز وجل".
• الغِيبة من الكبائر
الغِيبة مُحرمة بالكتاب والسُنة فى الإسلام، شبه الله المُغتاب فى كتابه الكريم بآكل لحم أخيه ميتًا فقال تعالى فى كتابه الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات:12]
والعلماء عدوها من الكبائر، وكفارتها التوبة والندم، ثم الإستغفار والإعتذار لمن حدثت فى حقه الغيبة إن كانت الغيبة قد بلغت الرجل.
يقول الحسن البصري:" كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته".
التوبة والندم ثم الإستغفار لمن اغتبنا، ثم الإكثار من الحسنات لتُسدد ما على المُغتاب من الحق، والإكثار من الدعاء لمن اغتبناه.
• أنواع الغِيبة
1- الغِيبة المُحرمة:
هى ذِكرك أخاك المسلم فى غيبته بما يكره، بصفاتٍ مذمومة وعيوبٍ خِلقية أو خُلقية فى دينه أو دنياه، على وجه الإنتقاص من شأنه.
الهمز بالقول واللمز بالفعل؛ من أشكال الغِيبة المُحرمة كالإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، كلها أفعال يُفهم منها الغِيبة كالقول فهى مُحرمة.
{وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ} [الهمزة : 1]
2- الغِيبة الواجبة:
كتحذير الآخرين وحمايتهم من خطرٍ ما أو مصيبةٍ محتملة الوقوع بهم، أو إسداء النصيحة لمن يحتاجها ( كالتي تطلب النصيحة للإستشارة عند الإقبال على الزواج من شخصٍ ما لتعرف أحواله قبل الإرتباط به)، أو للتحذير( كإنقاذ أحدٍ من الناس من قتلٍ أو سرقةٍ أو ما شابه ذلك).
3- الغِيبة المُباحة:
وتكون بضوابط لغرضٍ شرعيٍ صحيح، ولا يمكن الوصول إلى هذا الغرض إلا بهذه الغِيبة، وإن كانت بدون تلك الضوابط أصبحت غِيبةً مُحرمة.
ومن الغيبة المُباحة: التظلم، الإستعانة على تغيير مُنكر، الإستفتاء، التحذير من الوقوع فى شر، المُجاهر بالفسق (المُعلن فجوره دون أن يستتر)، التعريف.
• ما لا يُعد من الغِيبة
1- التظلم أو التقاضي فى المحاكم:-
2- تغيير المُنكر و المعصية ورد العاصي وزجره:-
3- الإستفتاء:-
6- التعريف:-
يجوز للمظلوم أن يتظلم لمن له ولاية أو قدرة على إنصافه من الظلم كالقاضي أو السلطان وغيرهما، فيقول: ظلمني فلان وفعل.....
يجوز أن يُقال لمن له القدرة على إزالة المُنكر أو النهي عن المعصية: أن فلان يفعل مُنكرًا أو معصيةً وهى..... حتى يزجره ويبعده عنها.
يجوز أن يقول الشخص للمُفتي: ظلمني فلان بكذا..... وسؤاله: ما السبيل للتخلص من الظلم؟
4- تحذير المسلمين من الشر وإسداء النصيحة لهم، لتوجههم للخير ولا تؤذيهم.
5- إذا كان الشخص يجهر بفسقه أو بدعته، كالمُجاهر بفعل المعاصي والفسوق مثل شُرب الخمر، فيجوز ذِكره بما يُجاهر به فقط.
مثلما يُعرف الشخص بالأعمى أو الأحول أو الأعرج أو الأصم..... وغيرهم. فيجوز تعريفهم بأوصافهم هذه وإن أمكن تعريفهم بغير ذلك كان أولى، أما إذا كان هذا التعريف للنقصان من شأنهم كان مُحرمًا.
7- يخرج من الغيبة ما يقوله الشاهد عند شهادته.
* ما هى النميمة؟ وما الفرق بين الغِيبة والنميمة؟
النميمة هى السعي للإيقاع فى الفتنة، كمن ينقل كلامًا بين زوجين أو صديقين بغرض الإفساد بينهما أو التفريق بينهما، سواءً كان ما نقله صدقًا أو كذبًا.
النميمة مُحرمة بالكتاب والسُنة والإجماع، لأنها تؤدي إلى فساد ذات البين ونشر العداوة بين الناس.
عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: إصلاح ذات البين، فإن إفساد ذات البين هم الحالقة."
*هناك أحوال تُباح فيها الغِيبة، ولا تُباح النميمة فى أية حال.
فالنميمة هى نقل كلام الناس وإفشاء الأسرار التى من الواجب كتمانها، فيكشف النمام ما يكره الشخص أن يطلع عليه الغير.
النميمة مُحرمة لقوله تعالى: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11)} [القلم : 10-11]
• ما الدوافع التى تبعث على الغِيبة والنميمة؟
1- الحسد أو الحقد المتولد فى قلب المُغتاب عند سماع كل ما هو حسن لغيره.
2- سوء ظن المُغتاب تجاه الآخرين.
3- غرور المُغتاب أو النمام وتكبره على الآخرين، لدرجة إحتقارهم وإستهانته بهم وبأمورهم.
4- السُخرية من الغير، وتذكيرهم بما فيهم من نقصٍ وإظهار الكمال للنفس.
5- مساعدة قومٍ وإلقاء اللوم أو التُهم على غيرهم.
6- مُجاملة الحاضرين بالحديث ومشاركتهم الغِيبة،
يقول النووي فيمن يسمع الغِيبة ما معناه: "على المسلم عندما يسمع إنسانًا يبتدئ بغِيبة مُحرمة أن ينهاه عنها إن لم يخف ضررًا ظاهرًا، فإن خافه وجب عليه الإنكار بقلبه، وإن تمكن من مفارقة المجلس يفارقه، وأن إستطاع الإنكار بلسانه أو قطع الغِيبة بكلامٍ آخرٍ وجب عليه ذلك، وإن لم يفعل فقد عصى."
• طرق التخلص من داء الغِيبة أو النميمة
1- العِلم بخطورة الإثم الذى يلحق به من جراء إرتكابه لهذه الذنوب الكبيرة، وإدراك ما فيهما من حقوق العباد.
2- معرفة أن هذه الذنوب والكبائر تُحبط الأعمال وتُذهب الحسنات وتُحمل السيئات.
3- تقوية الإيمان بالله والتقرب منه بآداء الفرائض والطاعات والأعمال الصالحة.
4- تهذيب النفس وتحليها بالأخلاق السامية والإقتداء بخُلق نبينا محمد عليه افضل الصلاة والسلام.
5- كظم الغيظ وتحمل الغضب حتى يسيطر العبد على نفسه ويتحكم فيها ويتحاشى الوقوع فى الزلل والخطأ.
6- الإستفادة من أوقات الفراغ وإستغلالها فيما ينفع، وعدم الخوض فى أعراض الناس بسهولة، لمجرد التسلية ومجاراة الناس فى أحاديثهم.
7- الإنشغال بذكر الله والمحافظة على قول الكلمة الطيبة، والحرص على المفيد من الأعمال التى تُزيد الإيمان وتُقرب إلى الله كحفظ القرآن الكريم.
8- الإستغفار لمن اغتبناه كلما ذكرناه والمداومة على حفظ اللسان بالذكر والتسبيح.
9- الإستعانة بالله تعالى وطلب العون منه للتخلص من هذا الداء الخطير.
10- تجنب المجالس التى يكثر فيها لغط الحديث والخوض فى أعراض الناس.
11- علاج أمراض القلوب المؤدية للغِيبة والنميمة من حسدٍ وكِبرٍ وغرور ونحو ذلك، وتدريب النفس وتعويدها بالتدريج عن ترك هذه العادات السيئة.
12- الحرص على الصُحبة الصالحة التى تُعين العبد على التقرب إلى الله، وتجنب رفقة الأشرار التى تُقرب إلى فعل المعاصي.
• دعاء كفارة الغِيبة والنميمة
روى أبو هريرة رضي الله عنه دعاء كفارة الغِيبة والنميمة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من جلس فى مجلس فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفر له ما كان فى مجلسه ذلك" رواه الترمذي.
ويُشير الحديث إلى أن العبد إذا قال هذا الدعاء قبل أن يقوم من مجلسه فهو يمحو ما كان منه من لغط وعليه فيُستحب أن يختم المجلس بهذا القول.
تعليقات
إرسال تعليق