القائمة الرئيسية

الصفحات

 

التوكل على الله...حسبنا الله ونعم الوكيل


التوكل على الله


•مفهوم التوكل على الله:

التوكل هو إعتماد القلب على الله بصدقٍ وإخلاص، والإستعانة بالله والإلتجاء إليه في جلب المنافع ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، عند الشدة ووقت الرخاء في قضاء الأمور، مع الإيمان بأن الله هو العاطي والمانع، والضار والنافع، أما العمل فهو السبب أو  الوسيلة لكسب الرزق أو المصالح.


التوكل من أعلى درجات القرب من الله سبحانه وتعالى، لأنه عبادة قلبية مع إخلاص النية لله تعالى والإستعانة به والإعتماد عليه لتحقيق المقاصد، سواء كانت لجلب مصلحةٍ أو خيرٍ أو نصرٍ... أو كانت لدفع ضُرٍ أو شرٍ أو للتعافي من فقرٍ أو مرضٍ... إلخ. حيث يكون الله لعبده حسبه وكافيه وراعيه .


عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتروح بطاناً" حديث صحيح رواه الإمام أحمد والترمذي. 


التوكل على الله من أبرز صفات وخصائص المؤمنين الصادقين، فهم يفوضون الأمر لله تعالى مع السعي والعمل والأخذ بالأسباب.


•من هو المتوكل على الله وما هي صفاته؟

المتوكل على الله هو الشخص الذي يستعين بالله في كل أموره، ويفوض ربه في قضاء حوائجه، وهو على يقين بأن الله هو القادر حقاً على قضاء تلك الحوائج والأمور، فهو من يُسلم الأمر لصاحب الأمر، ولكن مع الأخذ بالأسباب والسعي والعمل.


المتوكل على الله هو ذو الإيمان القوي والعقيدة الراسخة، ذو منزلةٍ خاصة تمتاز بالعمل والصبر لا بالتمني والكسل.


من أركان الإيمان بالله أن يؤمن العبد بالقدر خيره وشره، مع الإطمئنان بكفالة الله تعالى  ورعايته لخلقه، والعلم بأن الله هو الخالق والمُدبر لهذا الكون والمسؤول عنه وهو الراعي والحافظ لمن فيه وهو المتصرف والمتحكم فى كل شيء فيه، وكل ما يحدث ويدور فى ذلك الكون لا يخرج عن إرادة الله وحكمه.


يصف الله عز وجل المؤمنين فى كتابه العزيز فى سورة الأنفال فيقول تعالى:-

{إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون} [الأنفال:2]


أى إنما المؤمنون بالله حقاً هم الذين إذا ذُكر الله فزعت قلوبهم، وإذا تُليت عليهم آيات القرآن زادتهم إيماناً مع إيمانهم لتدبرهم لمعانيه، وعلى الله تعالى يتوكلون، فلا يرجون غيره ولا يرهبون سواه.


فالعبد المتوكل على الله توكلاً صحيحاً بعيداً عن التواكل، يعيش حياته راضياً بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له.


أهمية السعي والعمل والأخذ بالأسباب:-

هناك ظناً خاطئاً بأن التوكل على الله يعني ترك السعي والعمل، بل والإكتفاء فقط بالطلب من الله والدعاء له لتحقيق الأهداف والمقاصد، بينما المقصود بالتوكل الحقيقي هو السعي والعمل وبذل الجهد والأخذ بالأسباب لتحقيق المقاصد، مع إخلاص النية لله تعالى والإستعانة به والإعتماد عليه لتحقيق هذه المقاصد، فالعمل هو السبب أو الوسيلة ولا يتعارض مع التوكل.


يسعى العبد فى كل الأحوال ويبذل ما فى وسعه وطاقته من جهدٍ مع إخلاص النية فى سعيه لله تعالى،  واثقاً فى عون الله له في قضاء حوائجه.

لكن إن لم يأخذ العبد بالأسباب ولم يعمل ويجتهد للحصول على مقصده وقضاء أموره تحول أمر هذا العبد من التوكل على الله إلى التواكل. والمقصود بالتواكل؛ التراخي والتكاسل عن العمل والأخذ بالأسباب.


 والتواكل عادةٌ قبيحة حيث يرمي الشخص المتواكل المسؤولية على الآخرين، ناسياً نفسه مع ترك الأسباب والتكاسل عن القيام بالأعمال بحجة الإتكال على الله أو على الآخرين فى قضائها تكاسلاً منه، والمتواكل على غيره يُعد مُشرِكاً لأنه توكل على غير الله فى جلب المنافع أو دفع المضار.


أما التوكل على الله فهو خُلقٌ محمود يتحلى به العبد المؤمن ذو القلب السليم والنفس المطمئنة التى تُحسن الظن بالله، فالمتوكل على الله يعلم أن الأسباب بيد الله تعالى وحده وهو القادر على جعل هذه الأسباب ذات نفعٍ أو فائدة، وهو وحده القادر أيضاً على تعطيل هذه الأسباب وجعلها بلا فائدة.


فلا يجب أن يُعلق قلبه بالأسباب دون الله، فالله وحده القادر على أن يُسبب الأسباب، ويعيش العبد على أن يأخذ بها فينال ما كتبه الله له، أو يُعطل الله الأسباب لبعض عباده الذين لم يُقدر لهم أو يُكتب لهم الوصول لمثل هذه النتائج، أو يؤجلها لهم بعض الوقت لحكمته سبحانه وتعالى.


إن الهدف المرجو أو النتيجة المقصودة التى يبغاها العبد لا تتحقق إلا بمشيئة الله تعالى وحوله وقوته، وبالإستعانة به والثقة فى أنه حسبه وكافيه أمره الذى توكل عليه فيه.


•ثمرات التوكل على الله:-

- التوكل على الله يحفظ العبد من الشيطان، يقول الله تعالى فى كتابه العزيز:- {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98) إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (99)} [النحل : 98-99]

إن الشيطان ليس له تسلط على المؤمنين بالله ورسوله، وعلى ربهم وحده يتوكلون، إنما يتسلط الشيطان على الذين جعلوه معيناً لهم وأطاعوه وهم بذلك مُشركون بالله تعالى.


- التوكل الحقيقي على الله سبباً لدخول الجنة بغير حسابٍ ولا سابقة عذاب، حيث أن آداء الطاعات التى أمرنا الله بها وعدم التقصير فيها مع التوكل على الله سبباً للنجاة من النار ودخول الجنة بإذن الله تعالى. يقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  خَالِدِينَ فِيهَا ۚ نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)} [العنكبوت : 58-59]

أى أن من أبرز الصفات التى أهلتهم لدخول الجنة هى الصبر والتوكل على الله.


- التوكل على الله هو أحد مفاتيح الرزق، فيسعى العبد ويعمل ويجتهد بحثاً عن الرزق وطلب المال الحلال الطيب ويأخذ بالأسباب التى توفر له ولأهله وعياله الرزق، ولا يُعطل الأسباب حتى يرزقه الله ويبارك له فى رزقه.


- يجلب التوكل على الله للعبد معية الله ونصره وعونه، ويصُد عنه أذى المؤذين وعدوان المعتدين وظلم الظالمين، فيشعر بالأمان والطمأنينة، فينال العبد بتوكله على الله الأجور العظيمة والحسنات الوفيرة، لأن التوكل على الله عبادة من أعظم  العبادات القلبية.


- التوكل على الله والإعتماد عليه سبباً لتفريج الهموم والشدائد والكروب، ويُخرج من الأزمات والمصائب، فمن يلجأ إلى الله تعالى يكشف كُربته ويُزيل همه  ويُسدد عنه ديونه. يقول الله تعالى فى كتابه الكريم:"{قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة : 51] 


- التوكل على الله والإعتصام بالله سبباً لفلاح العبد، فالعبد المتوكل على الله واثقاً بالله الخالق عز وجل مستعيناً به، ومفوضاً أمره لله تعالى، غير مُنكرٍ للأسباب، يُحالفه النجاح والفلاح والتوفيق فى كل أموره. 


- التوكل على الله سبباً من أسباب دفع التشاؤم الذى يُكدر حياة العبد، حيث يبعث فى النفس راحة وطمأنينة فى القلب وانشراح للصدر وزيادة فى الإيمان بالله تعالى.


- التوكل على الله إعانة للعبد على طاعة الله تعالى وسبباً فى زوال خوفه وقلقه، وإمداداً له بالقوة المستمدة من ثقته فى ربه العزيز القوى، فالتوكل زاد المؤمن الروحي الذى يقوي عزيمته، ويدفع عنه التردد والقلق والحيرة، فلا يفزع من مستقبله ويرضى بما كتب الله له، ويطمئن قلبه وترتاح نفسه ويجد ويجتهد، ويعمل بكل طاقاته وقدراته ويطلب العون من الله ويفوض إليه أمره.


صور للتوكل على الله:-

- جاء رجلٌ إلى النبي صل الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ناقتي أعقلها أي أقيدها وأتوكل.. أم أطلقها وأتوكل؟

فقال النبي صل الله عليه وسلم: اعقلها وتوكل، أي افعل الأمرين معاً، خُذ بالأسباب واربط ناقتك واعقلها، ثم توكل على الله ليحفظها فهو خير حافظ.


- لقد رأينا صورةً رائعةً في الجمع بين الأخذ بالأسباب وبين التوكل على الله عز وجل، فى قصة السيدة هاجر رضي الله عنها حينما تركها زوجها سيدنا إبراهيم عليه السلام، هى ورضيعها إسماعيل عليه السلام بوادٍ غير ذي زرعٍ، فكانت تعتصر ألماً وحزناً على وحيدها الذى تتمنى أن تفديه بروحها وهو يكاد أن يُسلم روحه، لقد بقيت السيدة هاجر فى هذا المكان، وليس لديها إلا شيئاً من التمر والماء فنفد الماء والزاد، وأخذ إبنها يصرخ من الجوع والعطش، فتوكلت على الله حق توكله مع الأخذ بالأسباب ووجوب السعي والعمل، فأخذت تسعى بين جبلي الصفا والمروة، بحثاً عن الماء وطفلها يصرخ ويضرب برجليه الأرض من شدة البكاء، وهى تجرى بين الجبلين وكلما علت أحد الجبلين ترى سراب الماء فى الآخر فتجري إليه، حتى سعت سبعة أشواطٍ بين الجبلين، وهى تجرى وتهرول ولا تيأس من رحمة الله، حتى تؤتي الأسباب ثمارها التي قدرها الله تعالى، فإذا بالماء ينبجس من تحت رجلي طفلها، فجر الله لهما "عين زمزم" المباركة،  فسقت طفلها حتى ارتوى ثم شربت وحمدت الله الذى نجا طفلها بعد أن كادت تفقده من شدة العطش،  وعلمتنا السيدة هاجر أن الفشل في المحاولات الأولى لا ينبغي أن يكون سبباً لليأس والإحباط، بل يجب أن يكون دافعاً لمحاولاتٍ جديدةٍ مع الاستفادة من دروس المحاولات السابقة حتى نصل إلى هدفنا.


- نجاة سيدنا إبراهيم من النار التي أشعلها الكافرين من قومه وألقوه فيها، فقال: " حسبنا الله ونعم الوكيل" قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي فى النار، فتحولت النار إلى بردٍ وسلامٍ على إبراهيم عليه السلام، عندما توكل على الله ولجأ إليه.


- قصة توكل السيدة "يوكابد" أم سيدنا موسى عليه السلام، يقول الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي ۖ إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ۗ إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)} [القصص : 7-8]


عندما طغى فرعون فى الأرض وتجبر وتكبر، وكان يقتل المواليد الذكور ويترك الإناث منهم أحياءاً، لرؤيةٍ رآها علم منها أنه سيأتي واحداً من أبناء بني إسرائيل سينهي ملكه، فولدت أم موسى غلاماً صبياً، فخافت عليه من فرعون وجنوده، فأوحى الله إليها أن تُرضعه وتُلقه فى البحر ولا تخف ولا تحزن، ووعدها الله إنه سوف يرده إليها، فتوكلت على الله وأرضعته ووضعته فى صندوقٍ أو تابوت، وألقته فى البحر حتى وصل إلى قصر فرعون الذى أمر بقتله عندما رآه، لكن عندما رآته السيدة "أسيا" زوجة فرعون ألقى الله فى قلبها محبة موسى عليه السلام، فطلبت من فرعون ألا يقتله وأن يتخذوه ولداً، وحرم الله على موسى المراضع ولم يقبل الرضاعة إلا من ثدي أمه، فرده الله تعالى إلى أمه بلطفه ورحمته لحُسن ظنها بالله وتوكلها عليه.


- نجاة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وصاحبه أبي بكر الصديق من أذى المشركين، عند الهجرة من مكة إلى المدينة، يقول الله تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ۖ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَىٰ ۗ وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 40]


اختبأ رسول الله عليه الصلاة والسلام ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه فى غار "ثور" وهما فى طريقهما إلى المدينة  فى  رحلة  الهجرة النبوية، فدخلا الغار ومكثا فيه ثلاث ليالٍ، وخرج مُشركو قريش يقتصوا أثر النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يطاردون الرسول عليه الصلاة والسلام ويريدون قتله، فصعدوا الجبل ومروا بالغار، وهم يبحثون عنه حتى وقفوا على باب الغار، عن أبي بكر رضي الله عنه قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا فى الغار، لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال عليه الصلاة والسلام: ما ظنك يا أبا بكر بإثنين الله ثالثهما، وهما يثقان فى قدرة الله تعالى على إنقاذهما ونجاتهما، فلم يراهما أحداً من المشركين ونجاهما الله لحُسن توكلهما عليه.









تعليقات

التنقل السريع