القائمة الرئيسية

الصفحات

 
كُن صاحب مبدأ



كن صاحب مبدأ


* لكل إنسان هدف في الحياة يطمح لتحقيقه، قد اختاره لنفسه كما اختار رسالته التى يؤديها أثناء رحلته في الحياة، وهو أيضاً الذي يختار المبدأ الذي يرتضيه لنفسه ويزرعه وينميه فيها ولا يحيد عنه طوال حياته،  وهذه  المبادئ الخاصة بكل إنسان والتى يؤمن بها وبصحتها ولا يتخلى عنها، تُعد هى الأسس والدعائم التى يبني عليها أعماله وأحلامه وطموحاته، ويستعين بها فى آداء دوره فى الحياة والوصول إلى أهدافه، وثبات الإنسان على مبادئه السامية يساعده للوصول إلى النجاح وتحقيق طموحاته، والثبات على المبادئ السليمة طوال الوقت لا يعني تعقيد الأمور، بل إنه يُحدد الطريق الصحيح والأسلوب السليم فى كل المعاملات. 



ما هي المبادئ؟

المبادئ هي القيم والأخلاقيات الراسخة في نفس الإنسان، وهي بمثابة الأسس والقواعد التي يبني عليها الإنسان أعماله بحيث لا تنهار ولا تُهدم، لأنها تستند على أعمدة صلبة وقوية وراسخة.


وهذه المبادئ يكتسبها الإنسان منذ صغره من الدين والأسرة والبيئة التي يعيش فيها، فتنمو في نفسه وترسخ فيها ويتميز بها عن غيره، فلكل إنسانٍ ولكل مجتمعٍ مبادئه الخاصة به، والتي لا يستطيع التخلي عنها والعيش بدونها، ويعمل بها في كل تعاملاته مع الآخرين، ومن أهم هذه المبادئ:-

العدل والمساواة، مكارم الأخلاق (الصدق والأمانة والوفاء وغيرها)، والحرية والعيش في عزة وكرامة، العطف، الرحمة ، التعاون، الإحسان ... إلخ.



صاحب المبدأ السليم:

صاحب المبدأ السليم هو صاحب قرارٍ وفعلٍ وسلوكٍ صحيحٍ ونافع لنفسه ولمن حوله من الناس، وهو إنسانٌ يتخطى الأزمات ويتحدى الصعوبات التي تواجهه ليصل إلى غاياته وأهدافه، دون التنازل عن قيمه وأخلاقه ومبادئه، وربما يُضحي بماله ووقته ويبذل قصارى جهده، ومن الممكن أن يبذل حياته في سبيل الحفاظ على قيمه ومبادئه وعزته وكرامته، كالفدائي الذي يفدي وطنه بحياته في سبيل العيش في حريةٍ وكرامة.


يستطيع صاحب المبدأ السليم رؤية الأمور بنظرةٍ صائبة، والتمييز بين الأمور والحُكم على صحتها أو خطأها على أساس ماتسمح به أو ترفضه قيمه ومبادئه، فلا يختلط عليه الأمر بإختلاف  المكان أو الزمان وفي ظل أية ظروف، فكل شئٍ واضح أمامه وضوح اللون الأبيض من اللون الأسود، فاللون الأبيض أو السلوك الصحيح هو صحيح بالنسبة لجميع الأطراف وليس لطرفٍ واحدٍ فقط، واللون الأسود أو السلوك الخاطئ فهو أيضاً خاطئ بالنسبة لجميع الأطراف وليس لطرفٍ واحدٍ فقط، فالمبدأ دائماً ثابت وواضح ولا يتغير حسب المواقف أو الظروف.


لماذا التناقض؟:

لا شك أنه إذا وضع الإنسان لنفسه مبادئ قوية  وثابتة  في جميع أعماله وتعاملاته مع الآخرين، إنه سوف يشعر بالراحة النفسية والطمأنينة والسعادة، لأنه يتبع أسس سليمة وقواعد منظمة يرضاها لغيره كما يرضاها لنفسه، أو يرفضها لغيره كما يرفضها لنفسه، بمعنى ألا يُقدم  الإنسان نصيحة للناس ويأمرهم أو ينهاهم عن شيٍء ما وهو نفسه غير مُطبق لما يقول.


والسؤال هنا لماذا يستبيح الإنسان لنفسه فعل شئٍ ما أو سلوكٍ ما وهو لا يقبل نفس السلوك من غيره بل ويُقبحه؟، ولماذا يرتضي قوله شئٍ ما ولا يسمح لغيره بنفس القول؟، ولماذا يعطي لنفسه الحق الذى يسلبه من غيره؟.


كل هذه الأسئلة تحمل تناقضاً وعدم ثبات على مبدأٍ معين، ومن صور هذا التناقض الموجودة فى حياتنا اليومية:

- أثناء وقوف الناس بإنتظام في صف ما (طابور) لأداء مصلحةٍ معينة، وكلٌ منهم يلتزم بدوره وترتيبه في الصف، ثم يأتي شخصٌ مُتسللاً ليخترق هؤلاء الناس، مُحاولاً آداء مصلحته قبلهم دون إستئذانهم، مُبرراً بأنه مُتعجل وليس لديه وقتٌ كافٍ للإنتظار، فإذا بالناس يرفضون تخطيه لهم ويجبرونه على الإلتزام بترتيبه فى الصف، وبعد لحظات يأتي شيخٌ كبير أو شخصٌ مريض ولايستطيع الوقوف وقتاً طويلاً، ويطلب  بإستحياء ممن يقفون فى الصف أن يؤدي مصلحته قبلهم  ليمضي سريعاً لعدم قدرته الصحية، وهنا يسمح جميع الناس لهذا الشخص بقضاء حاجته ومصلحته قبلهم مراعاةً لظروفه، فى حين يرفض الشخص المُتسلل سابقاً ويُرغمه أن يأخذ دوراً فى الصف، فهذا شخصٌ لا مبدأ له، فقد أعطى لنفسه الحق مسبقاً لتخطي غيره من الناس فى نفس الوقت الذى حرم فيه الشيخ أو المريض منه.


- نجد فى عصرنا هذا بعض الأسر التى لديها أطفالاً صغار، وهم يضعون لأطفالهم قواعد الأخلاقيات السامية مثل الصدق، الأمانة، الإحترام......إلخ، محاولين تعليم صغارهم  تلك المبادئ السامية والأخلاق الحميدة، وكذلك إجتناب الأخلاق الذميمة كالكذب والسرقة والسب والشتم أو التلفظ ببعض الألفاظ الخارجة.....إلخ، وتستخدم هذه  الأسر (الأب والأم) أساليب العقاب المختلفة فى حال وقوع الطفل فى أحد هذه الأخطاء، فى حين تجد فى نفس هذه الأسرة، الأب يتلفظ فيها بالألفاظ البذيئة أثناء مشاهدته مثلاً لمباراة كرة القدم فى التلفاز، وتخرج منه أفظع الشتائم على مرأى ومسمع من أطفاله، ولا يستطيع  فرملة لسانه ومنعه من قذف تلك الألفاظ البذيئة والشتائم القبيحة أمام أطفاله، أو تجد الأم مثلاً تلجأ للكذب فى بعض المواقف لتخرج منها بدون إحراجٍ من صديقاتها وقريباتها، فمثل هذا السلوك المتناقض يتسبب فى فقدان الطفل الثقة فيما يتلاقاه من والديه من نصائحٍ وتعليمات، بل تتأرجح  بعض الموازيين بداخله ، فلا يستطيع التمييز بين السلوك الإيجابي والسلوك السلبي، أو بين المقبول والمرفوض، فلا يثبت فى نفسه مبدأ ولا ترسخ لديه قاعدة، وبذلك تتسبب الأسرة فى حدوث إزدواجية للمبادئ داخل نفس الطفل، وكأن المبدأ ذو وجهين متضادين أحدهما أبيض ومقبول  والوجه الآخر أسود ومرفوض، فهو يلجأ لأحد الوجهين حسب الموقف أو الظرف الذى يواجهه.


فكيف ترى إشارة المرور أمامك خضراء وتسمح لنفسك بالمرور بكل سهولة، فى حين تراها حمراء فى وجه غيرك فلا تسمح له بالمرور مثلما سمحت لنفسك، فلا تغضب إذا إنطلق وأندفع فى وجهك بسرعةٍ هوجاء وتسبب فى إحداث الأذى لك ولمن حولك. 



مبادئ الإسلام السمحة:-

مما لا شك فيه أن أقوى المبادئ والقيم والأخلاق الحميدة السامية، هى تلك التى غرسها الإسلام فى أنفسنا، حيث الإلتزام بأوامر الله وإجتناب نواهيه، وتقوى الله ومراقبته فى السر والعلن، تؤدي إلى الإستقامة وصلاح الأعمال، وتخلق إنساناً سوياً مستقيماً حسن الخُلق، طيب الطبع، فتخلص أعماله لوجه الله تعالى.


يأمرنا الإسلام بالعدل والإحسان وبر الوالدين وصلة الرحم والمودة والرحمة بين الناس، والتعاون على البر والتقوى والإصلاح بين الناس، كما يحثنا على التحلي بمكارم الأخلاق وحُسن مُعاملة الآخر، وإكرام الضيف والإحسان إلى الجار والتصدق على الفقراء ومساعدة المساكين والمحتاجين، والصدق والأمانة والوفاء بالعهد.


وينهانا الإسلام عن الكذب والغيبة والنميمة والأخلاق الذميمة وسوء معاملة الآخر، وحرم علينا  الظلم والعدوان وأكل  الربا وأكل أموال الناس بالباطل وأكل مال اليتيم بغير حقٍ، وقتل النفس والسرقة وشُرب الخمر ولعب الميسر والرشوة وشهادة الزور وعقوق الوالدين.


ووضع الإسلام حدوداً رادعةً لمن يتعدى حدود الله ولمن يعتدي على الناس، كما يكون ثواب الله والفوز بنعيم الجنة، لمن آمن وعمل صالحاً وأخلص فى عبادة الله وحده لا شريك له.


وعقاب الله يكون لمن كفر وعصى  وفجر، ولم يرجع إلى الله ويتوب إليه، فيحق عليه عذاب النار.


تحقيق مبادئ الإسلام والإلتزام بأوامره وإجتناب نواهيه، يُعد مصدراً للخير وترك الشر ونشر المحبة والسلام بين الناس، كما يُحقق التكافل الإجتماعي والتعاون والعدل والمساواة بين الناس، ويُصلح القلوب والنفوس مما يحافظ على العلاقات الطيبة،  ويقضي على أمراض القلوب كالحسد والغل والحقد والغيرة.




تعليقات

التنقل السريع