قصة سيدنا هود عليه السلام
كان نبي الله هوداً عليه السلام من ذرية سام إبن نوح عليه السلام، ذُكر اسم"هود" فى القرآن الكريم 7 مرات، وهناك سورة بإسم "هود" وهى سورة مكية نزلت بمكة المكرمة فيما عدا الآيات 12، 17، 114 نزلت فى المدينة المنورة، ترتيبها السورة الحادية عشر فى ترتيب المصحف الشريف، عدد آياتها 123 آية، سُميت هذه السورة الكريمة بسورة "هود " تخليداً لجهود نبي الله هود عليه السلام فى دعوته لقوم "عاد" العتاه الجبابرة، الذين اغتروا بقوة أجسامهم، ذكرت السورة بعض قصص الأنبياء، مثل نوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب وموسى عليهم الصلاة والسلام، تضمنت السورة آيات الوعيد والتهديد، وأخبار يوم القيامة وأهواله، كما اشتملت على أمور العقيدة من توحيد وبعث وجزاء، وإثبات نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد نزلت سورة هود من أجل تثبيت فؤاد النبي محمد عليه الصلاة والسلام.
وقد قال رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام عن سورة هود: "شيبتني هود وأخواتها" والمقصود هنا بأخواتها: سورة الواقعة والمرسلات وعم يتساءون والتكوير. وذلك لما ذُكر فيهم من أهوال يوم القيامة.
- إرم ذات العماد:
بعد مرور سنواتٍ طويلة على إنتهاء الطوفان الذي أصاب قوم سيدنا نوح عليه السلام، عاد الناس إلى عبادة الأصنام مرةٍ أخرى، وكان من أوائل القبائل التي عبدت الأصنام ” قبيلة عاد ” وهى قبيلة يمتاز رجالها ونساؤها بضخامة الأجسام فيبدون كالعمالقة، وسُميت هذه القبيلة بذاك الاسم نسبة إلى زعيمهم العملاق الضخم الجسم شديد القوة "عاد".
وكانت قبيلة عاد تعيش فى جبال الأحقاف الممتدة فى جنوب بلاد العرب ما بين اليمن وخليج عمان، وكانوا يسكنون فى خيام ذات أعمدة كبيرة وقوية، ولذلك قال الله تعالى عنها فى القرآن الكريم "إرم ذات العماد".
• فساد قوم عاد في الأرض:
أنعم الله على قوم عاد بنعمٍ كثيرةٍ وعظيمة، فكانوا ذوي قوةٍ وبأسٍ شديد، ينعمون بالكثير من الخيرات وطيب الثمرات التي لم يوجد مثلها في أي مكان، وزادهم الله بسطةً فى النعم والخيرات، فبنوا البيوت وصنعوا العديد من الأدوات، ورغم كثرة هذه النعم والخيرات إلا أنهم كانوا يخرجون إلى الصحراء لصيد القوافل المارة وينهبونها ويقتلون أصحابها، وزاد فساد قوم عاد الذين عبدوا الأصنام وطغوا في الأرض.
عاش بين قوم عاد رجل اسمه "هود" لكنه لم يكن مثلهم، نشأ "هود" بينهم نشأة الصالحين، فكان محباً للخير والسلام، وكان يتألم لعبادتهم للأصنام وفسادهم فى الأرض ونهبهم لأموال الناس وقتلهم الأبرياء بغير حق، وكان دائم النصح لهم، يسعى إلى إصلاحهم لكنهم كانوا يسخرون منه ويهزءون به.
• رسالة هود عليه السلام:
ومن رحمة الله تعالى بالبشر، أنهم كلما ابتعدوا عن طريق الصواب، بعث لهم رسولا يُرشدهم ويهديهم إلى عبادة الله الواحد الأحد قبل أن يحق عليهم العذاب.
أرسل الله هوداً عليه السلام لهداية قوم عاد الذين أفسدوا في البلاد، فقال لهم هود: يا قوم أعبدوا الله ما لكم من إلهٍ غيره، إني أدعوكم لعبادة الله الذي خلقكم فابتعدوا عن عبادة الأصنام، فأتهموه بالسفاهة، لكنه أصر على نصحهم لترك عبادة الأصنام، وحذرهم من الهلاك الذي أصاب قوم نوح من قبل بسبب عصيانهم، وأنه رسول الله يريد لهم الخير ويرشدهم إلى الصواب وعبادة الله وحده لا شريك له، فقال لهم: إن الله زادكم بسطة في الرزق والقوة، أفلا تكونوا شاكرين له معترفين بفضله وخائفين من عذابه، فرفضوا دعوته وأصروا على أنهم لن يتركوا ما كان يعبد آباؤهم وأجدادهم، لأنه لم يأت إليهم بمعجزةٍ أو أي شئٍ خارق يجعلهم يصدقوه، بل هو بشرٌ مثلهم ومنهم، واعتبروا أنه قد أصابه مس في عقله من غضب آلهتهم عليه فأصبح لا يدري ما يقول.
وقال لهم هود عليه السلام: إني لا أدعوكم إلى عبادة الله طمعاً في رئاسةٍ أو منصبٍ وإنما طلباً للأجر والثواب من عند الله رب العالمين.
{وَتِلْكَ عَادٌ ۖ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُوا فِي هَٰذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ۗ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (60)} [هود : 59-60]
يا قوم أعبدوا الله الذي خلقكم ووهبكم جنات ونعيم ورزقكم صحةً وأجساماً ضخمةً وقوية، إنكم تبنون البنايات العالية والقصور ظناً منكم في الإستمرار والأبدية في الحياة الدنيا، يا قوم أنتم من صنع هذه الأصنام أنتم وآباؤكم وسميتموها بأسماء من عندكم، وتُصرون على عبادتها، لكنكم سوف تبعثون وتحاسبون وتعذبون عذاباً شديداً.
استمر سيدنا هود عليه السلام في دعوته لقومه ليتركوا عبادة الأصنام ويعبدوا الله وحده، لكن قوم عاد أصروا على موقفهم من الدعوة وضحكوا وسخروا من هود عليه السلام واتهموه بالجنون.
• غضب الله على قوم عاد:
غضب الله على قوم عاد، فأمسك عنهم المطر وأصابهم قحطاً شديداً ثلاث سنوات حتى جهدهم ذلك، وأجدبت الأرض وهلك الزرع والنسل وهزل الحيوان وجف الماء من العيون والآبار، فصارت مجاعة شديدة، ولم يهتدي قوم عاد ويعودوا إلى صوابهم، بل ازدادوا فساداً فى الأرض وسجوداً للأصنام ودعاءاً لها أن ترفع عنهم العذاب الذى لحق بهم وتُرسل لهم المطر، وهود يحاول هدايتهم ونصحهم ليتركوا عبادة الأصنام التى لا تنفع ولا تضر، ويلجأون إلى الله ليعبدوه ويدعوه ليُرسل عليهم السماء مدراراً، لكنهم أصروا على موقفهم فاستحقوا العذاب.
{يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52)} [هود : 51-52]
أوحى الله إلى هود عليه السلام وأمره أن يجمع المؤمنين من قومه، ويذهبون إلى مكانٍ بعيدٍ من سفح الجبل ليختبئوا فيه، ويأخذون معهم من الماء والطعام ما يكفيهم ثمانية أيام، إمتثل هود عليه السلام لأمر ربه وخرج من المدينة بقومه، ولجأوا إلى كهفٍ في الجبل وأحتموا به.
{وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6) سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ (7) فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّن بَاقِيَةٍ (8)} [الحاقة : 6-8]
أرسل الله لهم سحابةً سوداء، فظنوا أنها تحمل المطر، لكنها كانت ريحاً صرصراً وإعصاراً مدمراً فيها عذابٌ أليم تُدمر كل شئٍ بإذن ربها، هبت عليهم هبوباً عنيفاً، فاقتلعت الأشجار وهدمت القصور وردمت الشوارع، وحملت الرياح هؤلاء العمالقة الضخام، فطاروا فى الجو ثم سقطوا على رءوسهم لتُدق أعناقهم فتغرس فى الرمال.
فكانت الرياح تحمل الرجل عظيم الجسم في السماء ثم تُلقيه على أُم رأسِه في الأرض فتقطعت هذه الرؤوس، وأصبحت هذه الأجساد العظيمة كأعجازٍ نخلٍ خاوية، وكأنها أجساد خُلقت دون رؤوس، حتى إن بعضهم فروا ودخلوا القصور والغيران والكهوف، فتدخل وراءهم الريح الصرصر العاتية إلى الداخل بأمر الله تعالى، فتُخرجهم وترفعهم إلى السماء ثم تهوي بهم إلى الأرض، لم تهدأ هذه الريح حتى أهلكتهم جميعاً ولم ينجو منهم أحد إلا من كانوا مع هود عليه السلام، الذين ظلوا في مكانهم آمنين طوال هذه المدة التى حددها الله لهم حتى هدأت العاصفة، فخرجوا يتفقدون أحوال قومهم، فلم يجدوا من آثار قوم عاد إلا الأطلال والخراب.
اتجه هود عليه السلام بالمؤمنين إلى حضرموت، فعاشوا فيها يعبدون الله وحده لا شريك له طوال حياتهم.
تعليقات
إرسال تعليق