القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة سيدنا نوح عليه السلام

قصة سيدنا نوح عليه السلام


 

قصة سيدنا نوح عليه السلام


بعدما أخرح الله آدم وحواء من الجنة، وأسكنهما الأرض فعاشا فيها وعمروها سنواتٍ طويلة بأبنائهما وأحفادهما، وهم يعبدون الله ويحمدونه على نعمه.


كيف بدأت عبادة الأصنام:-

ومرت السنون والناس لا يعبدون إلا الله وحده لا شريك له، إلى أن اشتهر من بينهم خمسة رجالٍ طيبون صالحون، عرفهم الناس بالتقوى والصلاح وهم: وداً، وسواعاً، ويغوث، ويعوق، ونسراً.


ظل الناس يحبون هؤلاء الرجال الخمسة الصالحين ويقتدون بهم وبأعمالهم وتعلقوا بهم، وكانوا يجلسون معهم فى مجالسهم ويتعلمون منهم ويتلقون منهم النصيحة، حتى مات هؤلاء الرجال الطيبون وحزن الناس لموتهم وتألموا لفراقهم كثيراً، وسوس إبليس للناس أن يصنعوا لهم تماثيلاً توضع في مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها وتسمى بأسمائهم، وبالفعل صنع الناس التماثيل وكانوا يذهبون إليها في كل صباحٍ ومساء ويتبركون بها في أماكنها المقدسة، ويدعون الله أن يغفر لهم وهم يتشفعون بتلك التماثيل، بإعتبار أن لها الوساطة بينهم وبين الإله الأكبر لتقضي حاجاتهم.



وبعدما مات هذا الجيل من الناس، وتوالت الأجيال من بعده، بالغ الناس في تعظيم هذه التماثيل مبالغةً وصلت إلى حد العبادة، ونسي الناس إعتقادهم بأن تلك الأصنام كانت وسطاء بينهم وبين الله الواحد الأحد، ثم وصل بهم الإعتقاد بأنها هي الإله الذي يعبدونه ويستحق عبادتهم، فسجدوا لها وعكفوا على عبادتها ونسوا أنها من صنع أيديهم، واستمر إعتقاد الناس بعبادة هذه الأصنام وصنعوا العديد غيرها من الحجارة أو الخشب ووضعوها في أماكن مختلفة حتى يتيسر لهم زيارتها وعبادتها ونسوا الله تعالى.



رسالة سيدنا نوح  ومعاناته فى دعوة قومه للإيمان :- 

وُلد سيدنا نوح عليه السلام بعد وفاة سيدنا آدم عليه السلام بمائةٍ وست وعشرين سنة ( كما ذكر ابن جرير ).


اختار الله نوحاً وأرسله نبياً إلى قومه ليدعوهم لعبادة الله وحده لا شريك له ويرشدهم ويهديهم إلى الإيمان بالله وترك عبادة الأصنام، وكان نوح عبداً شكوراً، يشكر ربه ويحمده عند النوم والإستيقاظ وعند الأكل والشرب وعند الدخول والخروج من المسكن وعند إرتداء ملابسه.


كان نوح عبداً فقيراً وطاهراً ونقياً، وكان كريم الخُلق بعيداً عن عبادة الأصنام، بلغ نوح رسالة ربه، وقام بها وأداها ولكنه لاقى في سبيل هذه الرسالة الكثير من الشدائد والأهوال والصعاب، لأن قومه رفضوا دعوته فقد كانوا قوماً عاصين ومتكبرين وظالمين، بدأ دعوته لعبادة الله وترك عبادة الأصنام سراً مع الفقراء والمستضعفين من الناس في ظلام الليل، حتى أمره الله تعالى أن يجهر بدعوته، فذهب إلى أشراف قومه وجمعهم ودعاهم إلى ترك عبادة الأصنام وترك الضلالة والكفر، وأن يتبعوه ويؤمنوا برسالته وعبادة الله وحده لاشريك له.


"وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحًا إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) " سورة هود.


قال نوح لقومه: يا قوم لا تسجدوا لتلك الأصنام، فهى مخلوقة وليست خالقة وهى عاجزة وغير قادرة، ولا تجلب نفعاً ولا تدفع ضراً، واعبدوا الله الخالق الواحد القادر الذى خلقنا من طينٍ، وخلق الأرض بما فيها من حيوانٍ ونباتٍ وجبالٍ ورمالٍ وأنهارٍ وبحارٍ، وخلق السماء وما فيها من كواكبٍ ونجوم، كلها من دلائل قدرة الله الخالق القادر الذى يستحق العبادة.


لكن الفقراء والضعفاء من قومه استمعوا إلى حديثه بآذانهم ولم يطيعوه، وصرخ الأغنياء منهم فى وجهه ورفعوا أصواتهم فوق صوته، ورفضوا دعوته ولم يتبعوه واستهزءوا به لفقره  واتهموه بالكذب.


لكن نوحاً لم ييأس بل أصر إصراراً شديداً على نصحهم وهدايتهم، وظل يؤكد لهم أن هذه التماثيل التى صنعوها بأيديهم من الحجارة والخشب، عاجزةً عن دفع الأذى عنهم وعن نفسها أيضاً وعن جلب الخير والنفع لهم، لكنهم اتهموه بالجنون ولم يصدقوه، وأخيراً إنفضوا من حوله مستهزئين به وبدعوته، ولم ينقطع نوح عن نصحهم وإرشادهم ليصدقوا برسالته ويتبعوا دينه، لكنهم إزدادوا عناداً وكفراً واستكباراً، وأصروا على عبادة الأصنام، ثم غطوا وجوههم بملابسهم حتى لا يروه، ووضعوا أصابعهم فى آذانهم حتى لا يسمعوه، وقالوا له: قد جادلتنا يا نوح وأكثرت جدالنا، فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين، فقال لهم: إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم له بمعجزين. 


" قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَاذ يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) " سورة هود .


فانصرف نوح عنهم وهو حزين على جحود قومه وعنادهم ومخالفتهم دعوته، لقد بذل جهداً كبيراً فى دعوة قومه، كان يريد لهم الخير لكنهم عاندوا وتجبروا واستمروا فى الطغيان والضلال، وبينما كان نوح فى حزنه ويأسه من عصيان قومه، نزل عليه وحى ربه ليطمئن نفسه، ويعلمه بأنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن.


دعاء سيدنا نوح عليه السلام:-

رب؛ إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً، فلم يزدهم دعائي إلا فراراً، وإني كلما دعوتهم جعلوا أصابعهم فى آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا إستكباراً، لقد دعوتهم بالترغيب والوعد تارةً ثم بالتهديد والوعيد تارةً أخرى، ولم يؤمنوا برسالتي وأصروا على الكفر والعصيان، فلقد عصوني وازدادوا فساداً وفجوراً وعصيان.


غضب الله تعالى على قوم نوح وأنذرهم، فأمسك عنهم المطر، وامتنعت الأرض عن إخراج الزرع، حتى أصابهم قحطاً شديداً، وأخذوا يبحثون عن الطعام فى كل مكانٍ لكن دون جدوى، فدعوا آلهتهم وأصنامهم ويسألونها الرزق فلا تسمع ولا تجيب، فلجأوا إلى سيدنا نوح فأمرهم أن يستغفروا ربهم الغفار، يرسل السماء عليهم مدراراً، ويمدهم بالأموال والبنين، لكنهم عموا وصموا وتمادوا فى طغيانهم، حتى يأس نوح من إيمان قومه فدعا عليهم: رب؛ لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا، إنك  إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجراً كفارا.


" وقال نُوحٌ ربِّ لا تذرْ على الْأرْضِ مِن الْكافِرِين ديّارا (٢٦) إِنّك إِنْ تذرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادك ولا يلِدُوا إِلاّ فاجِرا كفّارا (٢٧) " سورة نوح.


وبعد دعوة استمرت ما يقرب من الألف عام فى أذى وعذاب من قومه، لقد لبث نوح عليه السلام فى دعوة قومه ألف عام إلا خمسين عاماً، أصاب الإحباط واليأس قلب نوح عليه السلام، فإن قومه كانوا أظلم الناس وأكثرهم تمرداً وكفراً وعصياناً، فتوجه نوح إلى ربه بالدعاء عليهم وطلب من الله أن يبيدهم جميعاً، فاستجاب الله لدعائه وأهلك الكافرين.


" وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦)  وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (٧٧) " سورة الأنبياء.


سفينة نوح عليه السلام والطوفان:-

أمر الله نوحاً أن يصنع سفينةً كبيرة، ويركب فيها هو وأهله وكل من آمن معه ومن اتبعه لينجوا من الطوفان الذى سوف يعُم الأرض، فخرج نوح والمؤمنين من قومه حاملين فئوسهم وقطعوا الأشجار وشقوها وصنعوا منها ألواحاً، ثم أخذوا يصنعون السفينة كما أمرهم الله عز وجل.


وكلما مر الكفار على نوح وهو يصنع السفينة فى الصحراء، فكانوا يضحكون منه ويستهزئون به، لكنه صبر على سخريتهم وإستهزائهم.


" وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ۚ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٩) " سورة هود.


وأتم نوح بناء السفينة، فأمره الله أن يحمل فيها أهله وكل من آمن، ويحمل فيها من كل حيوانٍ وطيرٍ وزواحف وحشراتٍ ووحوشٍ وبذورٍ وحبوبٍ، يأخذ معه من كل نوعٍ زوجين إثنين (ذكراً وأنثى)،  ولما حمل كل هذه الأنواع فى السفينة، دخل نوح إليها هو وكل من آمن به إلا زوجه فقد كانت عاصيةً كافرة، أغلق نوح السفينة على كل هذه المجموعات المختلفة التى اجتمعت على السفينة بأمر الخالق القادر الجبار، حتى نسي الكلب عداوة القط، كما نسي القط عداوة الفأر، ونسي الذئب إفتراسه للأغنام، ونسي الفيل بغضه للنمر. وهكذا... أصبح جميع ما على السفينة من حيوانٍ وطيرٍ وغيرهما فى ألفةٍ وأمان.


" حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ ۚ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ( 40 ) " سورة هود



إطمأن نوح وسجد لله شاكراً وانتظر وعد ربه، ثم أظلمت السماء وهبت رياح وعواصف، ثم نزل مطرٌ غزيرٌ من السماء، وتفجرت عيون الماء من جميع نواحي الأرض.


فعم الماء جميع الأرض وحمل السفينة ومن  فيها وما فيها، رأى الكفار ذلك وهم فى رعبٍ وذعرٍ شديد وقد أصابهم الفزع والهلع، ولا يدرون ما يفعلون، فذهبوا إلى الجبال يحتمون بها، لكن الماء كان يعلو ويرتفع ويبتلع الكفار، ورأى نوح  ابنه "كنعان" يصعد الجبل فحزن وتألم وأشفق عليه وأراد نجاته من الغرق، فناداه كثيراً ليؤمن ويركب معه ولا يكن من الكافرين، لكن ابنه لم يؤمن به وبرسالته لعصيانه وجحوده وكفره، فرفض وقال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، فأجابه نوح:  أنه لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم، وابتلع الماء ابن نوح كما ابتلع كل الكافرين، وكان وعد الله حق وكان عذابه للكافرين شديد، وزالت الأصنام وغرق العصاة المعاندون.


وسارت السفينة  بين الأمواج العالية والرياح الشديدة والأمطار الغزيرة، التى ملأت الأرض وغطت قمم الجبال، وكتب الله النجاة لمن كانوا فى السفينة الذين آمنوا بالله وعبدوه .

" وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا ۚ إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١)  "  سورة هود.


ونجا نوح وكل من كان معه فى السفينة من حيوانٍ وطيرٍ وحبوبٍ وبذورٍ مختلفة، أمر الله السماء أن تكف عن المطر وأمر الأرض بابتلاع الماء، فرست السفينة على"جبل الچودي" واستقرت، ففتح نوح الأبواب بعد أن غاض الماء وجفت الأرض، وخرج منها بأمر من الله تعالى هو وأهله والمؤمنين من بعد الطوفان، ورأوا الأرض فسيحة واسعة والشمس ترسل أشعتها على الكون، ففرحوا فرحاً شديداً وحمدوا الله وشكروه، وعاشوا جميعاً وعمروا الأرض ونعموا بخيراتها.



تعليقات

التنقل السريع