القائمة الرئيسية

الصفحات

الكلمة الطيبة مفتاح القلوب... قصة قصيرة


الكلمة الطيبة مفتاح القلوب... قصة قصيرة


يُحكى فى سالف الزمان أن رجلاً إسمه "الشيخ إبراهيم" كان يعيش في قرية صغيرة مع أسرته الصغيرة المكونة من زوجته "الحاجة فاطمة" وإبناه "زاهر" و"ماهر"، وكان هذا الرجل فلاحاً ويمتلك أرضاً ومنزلاً وماشية، وينعم بحياة كريمة هانئة وسط أهله وجيرانه الذين يحبونه لحُسن خُلقه وحُسن معاملته للآخرين، وكان قد بذل المزيد من الجُهد هو وزوجته فى تربية أبنائهما تربية فاضلة، إلى أن أصبح زاهر وماهر فى عُمر الشباب ويُساعدان والدهما الشيخ إبراهيم فى زراعة الأرض.

 

وكان زاهر إنساناً بسيطاً لا يضمر لأحدٍ فى نفسه سوى الخير، فكان طيب القلب حسن الخُلق وهادئ الطبع، يحبه الناس لطيب كلامه وحلاوة لسانه الذى لا ينطق إلا بالصدق وبالكلمة الطيبة ولذا يحبه كل من حوله ويقتربون منه ويلتفون حوله، فهو يساعدهم عند الحاجة أو الشدة ويتواصل معهم دائماً فى السراء والضراء وكان دائماً عوناً لأصدقائه ويُساهم فى نشر الخير والعمل الصالح.

 

إعتاد زاهر بعد إنتهائه من عمله فى الحقل إستثمار وقته فى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم يد الدعم والعون للآخرين، سواءً كان ذلك بتقديم النصيحة والمشورة أو بتقديم المساعدة المادية للفقراء والمحتاجين ومشاركة الناس فى أفراحهم وأحزانهم، مما كان له أثر السحر على قلوب الناس، فقد كان يمتلك قلوبهم بحُسن كلامه وأسلوبه العذب وحُسن صنيعه وقدرته الفائقة على جذب الأصدقاء والأقارب والجيران.

 

أما ماهر بالرغم من تربيته الحسنة وإنتمائه لنفس ذات الأسرة الكريمة الفاضلة المحبوبة، إلا أنه كان حاد الطبع مع الناس، عنيف اللهجة فى الحديث، سريع الغضب والإنفعال، وكان دائماً يضع المصلحة أو المنفعة الشخصية نُصب أعينه قبل أن يفكر فى المصلحة العامة أو مساعدة الغير، مما أدى إلى نفور الأهل والجيران والأصحاب من حوله.

 

ولذلك كان الأخان دائماً فى خلاف وتشاجر لإختلاف طباعهما وطريقة التفكير وطريقة التعامل مع الناس.

 

• نصيحة الأب لأبنائه

وكان الأب يتدخل للنصح والصلح بينهما، وكان ينصح ماهر ويقول له:-

 

 هدئ من طبعك وروعك يا ولدي، إن الكلمة الطيبة مفتاح للقلوب فهى تُطفئ نيران العداوة والكراهية، وتُريح النفوس وتؤلف بين القلوب، فعود لسانك على قول الكلمة الطيبة وحُسن معاملة الآخرين، إنك لن تعيش فى الدنيا بمفردك، بل أنت دائماً ستكون وسط جماعة وللمجتمع المحيط بك حقٌ عليك، فيجب أن تعمل الخير قولاً وفعلاً وستجده إن شاء الله فى يوم من الأيام، فكُن على يقين إنك بحاجة إلى مساعدة الآخرين ولن تستطيع الإستغناء عنهم مهما كانت عظمة قدراتك وإمكانياتك، إلا إنك ستظل دائماً فى حاجة للآخرين كما يحتاجون إليك، فالحياة تعاون يا ولدي وتبادل للخبرات والمنافع والمصالح، ولكي تكسب قلوب الناس فعليك بإعطاء مُحتاجهم، وتعليم جاهلهم، وكفالة يتيمهم، والقيام بما يحتاجون إليه، ولا تنسى أن الكلمة الطيبة صدقة، لقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز  لرسوله الكريم :-

"فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران .. 159) 

 

فكان زاهر يعمل للدنيا والآخرة معاً فيعطي عمله فى الحقل مع أخيه حقه وباقي الوقت يقضيه ما بين المسجد والأهل والأصدقاء، لكن ماهر كان يعتقد أنه من الأفضل أن يستثمر وقت فراغه فى تنمية عملهما الخاص ومحاولة زيادة الدخل وتحسين المستوى المادي.

 

• تدخل الأب لحل الخلاف

وعندما زادت الخلافات بين الأخين، اضطر الشيخ إبراهيم لحل هذا الخلاف الدائم بينهما بتقسيم الأرض الزراعية والماشية بين ولديه بالعدل، لكى يعمل كلاً منهما بطريقته الخاصة التى تناسبه ويكسب رزقه الذى قسمه الله له دون إلقاء اللوم على أخيه، وحتى لا يخسر أحدهما الآخر ويظلان أخان مُتحابان لا خلاف بينهما مدى الحياة.

 

وبعد مرور فترة من الزمن

 عمل ماهر فى حقله ليل نهار ليزيد من محصوله وإنتاجه ودخله، دون النظر إلى تلك الأعمال التى يهتم بها زاهر وتشغل وقته، وهى من وجهة نظر ماهر إهدار للوقت والجهد.

 


وبالفعل إستطاع ماهر بالجد والعمل الشاق أن يحصد آخر العام محصولاً كبيراً من القطن، وكان سعيداً بهذا النجاح والتفوق، الذى أثبت به لنفسه ولأبيه وأخيه وللآخرين صحة وجهة نظره.

 

فى حين جمع زاهر محصولاً من القطن بما يعادل نصف محصول ماهر تقريباً، ولكنه كان أيضاً سعيداً وراضياً بما قسمه الله له، وخزن الأخان المحصول فى المخازن لحين بيعه.

 

• حرث الدنيا

وفى يوم من الأيام جلس ماهر مع أبيه وأخيه وهو فخورٌ بإنجازاته فى العمل والحصاد، وأخبر والده بأنه جمع محصولاً هائلاً من القطن يزيد عن ضعف محصول أخيه زاهر، محاولاً أن يثبت لأبيه أنه كان على حق فى خلافه مع أخيه وأنه إستطاع بمفرده أن يبذل قصارى جهده فى العمل، وبالفعل حصد ثمرة عمله وجنى محصولاً لم يجني نظيره من قبل على الإطلاق، دون الحاجة إلى مساعدة الآخرين، وفى المقابل أخوه زاهر جمع نصف ما جمع من المحصول لإهتمامه بالآخرين وتقديم المساعدات لهم ومشاركتهم دون جدوى مالية، غير أنه مكث معظم وقته فى المسجد وحلقات الذكر ودروس الفقه، إلى جانب زيارات الأهل بهدف صلة الرحم والتفاف الأصدقاء حوله.

 

فقال له والده الشيخ إبراهيم :-

ربما تكون أنت على حقٍ فى نجاحك فى عملك وإجتهادك فيه، لتحصد الآن ثمرة تعبك وتجمع المال الوفير الذى طالما حلمت به، ولكن لا تنسى حق الفقراء فى أموالك.

 

أما عن أخيك فهو على حقٍ أيضاً فيما يفعل فقد فضل خير الآخرة على حرث الدنيا، ولهذا فأنا أعطيت كلاً منكما نصيبه كي يعمل ويتصرف فيه كيفما يشاء بحريته دون أن يتقيد بالآخر، وليس من حقك أن تلومه على ما يعمل، فكلاكما يعمل بطريقته ويتحمل المسئولية كاملة دون إلقاء اللوم على الآخر.

 

• خير الآخرة

إستمع زاهر إلى حوار ماهر مع أبيه وقال يا أخي الكريم :- "إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً... واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً". 

فأنا أعمل وأجتهد فى عملى وأنا راضياً بما يقسم الله لي من رزق، ولأني أريد أن يبارك الله لي فى هذا الرزق فأنا أخصص منه جزءاً للإنفاق فى سبيل الله، وهذا المال أساعد به الفقراء والمساكين ومن يحتاج إلى المال لتزويج بناته أو من يحتاجه لعلاج مريض، وأنا أجد متعة كبيرة فى إدخال السرور على قلب يتيم أو نفس فقيرٍ محتاج أو رعاية الأهل والأقارب، كما إني أجد متعة وراحة نفسية أيضاً عندما أقوم بإلقاء الدروس فى المسجد وتعليم الناس البسطاء أمور دينهم، وأتمنى أن أكون بذلك قد إدخرت نصيباً من وقتي ومالي للآخرة، بارك الله لك يا أخي فى مالك... كما بارك الله لي فى رزقي أنا وكل من حولي.

 

قال الشيخ إبراهيم لإبنه زاهر:-

 أحسنت يا ولدي بارك الله فيك ورزقك إن شاء الله، إن هؤلاء الضُعفاء الذين تساعدهم هم سبب إدرار الرزق عليك ببركة دعائهم وصفاء ضمائرهم.

فعن مُصعب بن سعد رضي الله عنه قال: رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلاً على مَنْ دونه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم :

"هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم؟!"

أخرجه البخاري.

 

حريق غير متوقع

 

وبعد أيامٍ قليلة نشب حريقٌ شديد بالقرية فى أحد المنازل المجاورة لمخازن ماهر، وامتد الحريق إلى أن وصل إلى مخازن القطن، فالتهمت النيران جزءاً كبيراً من القطن، ولم يتمكن ماهر من إطفاء الحريق بمفرده، وصاح ماهر بأعلى صوته يستغيث بمن حوله لإطفاء الحريق، وبالفعل سرعان ماجرى زاهر وكل من كانوا معه بالمسجد بعد صلاة العشاء من الأهل والجيران والأصدقاء لمساعدة ماهر وإنقاذ محصوله من الهلاك، واستطاعوا إخماد النيران، وتمكنوا من إنقاذ أكثر من نصف محصول القطن تقريباً.

 

لكن ماهر حزن حُزناً شديداً لخسارته الفادحة ، ومرض مرضاً ألزمه الفراش، وقام أهل القرية بزيارته والسؤال عن صحته.

 

وجلس الشيخ إبراهيم وإبنه زاهر بجوار ماهر، للتخفيف عنه ومحاولة إخراجه من أزمته سالماً.

 

فقال زاهر لأخيه:-

هون عليك يا أخي ولا تحزن، صحتك أهم من أي شيءٍ آخر، قف على أرجلك كما عودتنا صلباً قوياً، وسوف يعوضك الله  خيراً إن شاء الله وقال له والده:-

لا تحزن على ضياع المال يا ولدي، إنك أنت الذى تكسبه بعمل يدك، وما دُمت حياً وسليماً فأنت قادرٌ على أن تكسب أكثر مما ضاع، ولعلك فهمت الدرس جيداً وعلمت أن حرثَ الدنيا زائلٌ وأن خير الآخرة باق، وعلمت أن محبة الناس كنوزٌ أكبر من جمع الأموال الطائلة، وأن هؤلاء الناس هم أنفسهم الذين قاموا بمساعدتك وإنقاذ محصولك من الهلاك.

 

تعليقات

التنقل السريع