قصة بقرة بني إسرائيل
قصة بقرة بني إسرائيل فيها الكثير
من العبر والدروس التي ينتفع بها المسلم في دينه ودنياه. فقصة بقرة بني إسرائيل هي
قصة عظيمة كباقي القصص التي ذُكرت في القرآن الكريم، وفيها يبين الله سبحانه وتعالى
شدة عناد بني إسرائيل وعدم تصديقهم لأنبيائهم فكانوا يكذبونهم دائماً؛ وهذا لأنهم
قوم طبعت قلوبهم بحب المال والدنيا.
جعل الله لكل شيٍء سبباً فهو مُسبب
الأسباب، فهل تعلم لماذا أوحى الله إلى سيدنا موسى عليه السلام أن يقول لبني
إسرائيل أن الله يأمركم بذبح بقرة؟ وكيف بدأت قصة بقرة بني إسرائيل؟
بدأت قصة بقرة بني إسرائيل بمقتل رجلٍ من بني إسرائيل، فجعل الله سبحانه وتعالى البقرة سبباً في كشف حقيقة مقتل هذا الرجل ومن قاتله.
· قتيل بني إسرائيل:
في عهد نبي الله وكليمه موسى عليه السلام،
كان في بني إسرائيل رجلٌ شيخٌ كبيرٌ في السن، كان ثرياً جداً معه مالاً كثيراً، وكانت
له إبنة، وكان له إبنُ أخٍ كان فقيراً شديد الحاجة للمال، وتقدم لخطبة إبنة عمه فأبى
عمه ورفض أن يزوجه إبنته، فغضب.
فكان يرغب في موت عمه ليرثه، فشاء
الله أن يطيل عُمر عمه، ولم يستطع هذا الفتى الصبر حتى يأتي أجله.
فوسوس له الشيطان أن يقتل عمه ليرثه
ويطالب بديته من أناس آخرين ويتزوج إبنته، فاتبع الشيطان وعزم النية على ذلك.
فأتى في يوم من الأيام ليلاً إلى عمه
وقال له أنه يريد أن يعمل، فشجعه عمه على ذلك.
فقال أنه يريد أن يعمل تاجراً في سبطٍ آخر (قبيلة أخرى)، ويريد أن يأخذه معه حتى إذا رأوا التجار عمه معه وافقوا أن يكون
تاجراً وسطهم.
فخرج هو وعمه ليلاً، فقتل الفتى عمه
دون أن يراه أحداً من الناس، ثم عاد.
وفي الصباح جاء وكأنه يبحث عن عمه،
وكأنه لا يدري أين هو، وبعد ذلك توجه نحوه فإذا بأناسٍ مجتمعين وقد انتشر خبر
مقتله، فأخذ يبكي ويصرخ ويقول قتلتم عمي، وأخذ يطالب بديته.
فاحتار الناس في أمره وتشاجروا
واتهم بعضهم بعضاً، حتى انتهى بهم الأمر إلى أنهم يعرضوا الأمر على نبي الله موسى
عليه السلام، فهو وحده بوحي الله سبحانه وتعالى له قادر
على معرفة القاتل.
فعرضوا عليه أمر القتيل وجهلهم
بقاتله وإتهام بعضهم بعضاً، وسألوه أن يستعين بالله سبحانه وتعالى ليكشف لهم الغمة،
فدعا موسى عليه السلام ربه، ثم أمرهم بشئٍ قد أثار دهشتهم. فبماذا أمرهم؟
· الأمر بذبح البقرة:
فقد أوحى الله تعالى إليه أن يأمرهم بأن يذبحوا بقرة فتعجبوا من هذا الأمر فما علاقة هذا الأمر بأمر القتيل، كما قال الله عز وجل " وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّه يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللّه أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ " (البقرة:٦٧).
ولأن بني
إسرائيل قوم طُبِعوا على الجدال مع أنبيائهم، والغلو في دينهم رفضوا الإمتثال لأمر
الله تعالى، فلولا عنادهم وعدم إمتثالهم لأمر الله تعالى بذبح بقرةٍ أيُ بقرةٍ عندهم
أياً كانت وبدون تحديد أي مواصفات للبقرة، لكشف الله سبحانه وتعالى لهم أمر القتيل،
و لانتهى الأمر عند ذلك ولكنهم قوم لا يعقلون.
ولقد أراهم الله الكثير من المعجزات
والآيات، إذ أنجاهم الله من بطش فرعون وجنوده، وفلق لهم البحر، وأغرق فرعون ومن
معه " وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا
آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ " (البقرة: ٥٠)
فلهذا كان على بني إسرائيل أن
يستجيبوا لأمر الله ويمتثلوا له، ولكنهم استكبروا وشددوا في السؤال عن البقرة،
فشدد الله عليهم.. " قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنَ لَّنَا مَا
هِي قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ
بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ
فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ * قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ
يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ
اللّه لَمُهْتَدُونَ * قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ
تُثِيرُ الاْرْضَ وَلاَ تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا
قَالُواْ الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ "
(البقرة ٧١:٦٧)
أمرهم الله بقتل بقرةٍ وشرط عليهم:
ألا تكون فارضٌ أي لا تكون كبيرة السن، ولا بكرٌ عوانٌ أي لا تكون صغيرة السن، وإنما
بين ذلك.
وهذا كان يكفي لأن يذبحوا أي بقرة
عندهم لا كبيرة ولا صغيرة، وإنما وسط بين ذلك، ولكنهم لا يعقلون وشددوا على أنفسهم
أكثر فأكثر.
وسألوا نبيهم مرة ثانية سألوه عن لونها، وهذا عجيب منهم، ووجه العجب هنا، ماذا يفيد لونها والبقر كله متشابه، وتلك كانت حجتهم بعد ذلك، أن البقر تشابه عليهم، " قَالُواْ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِىَ إِنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ اللّه لَمُهْتَدُونَ " ( البقرة:٧٠)..
فلما زاد
تشددهم وعنادهم وجدالهم بسبب قسوة قلوبهم فهي كالحجارة، كما قال الله تعالى:
" ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ
أَشَدُّ قَسْوَةً " (البقرة: ٧٤)، عاقبهم الله وشدد عليهم وزاد من أمر البقرة
أن تكون صفراء اللون تسر الناظرين أي يراها الناس سليمةً من كل العيوب.
وهذا أيضاً كان كافياً لأن يبحثوا عن
بقرةٍ بهذه المواصفات ويذبحونها ليعلموا حكمة الله من هذا الأمر، ألا وهو ذبح
البقرة، ولكنهم لم ينتهوا عن أسئلتهم وجدالهم، فكان الأمر الإلهي الأخير لهم،
أمرهم ببقرة "لا ذلول" أي: أنها بقرة ليست مذللة بالحراثة (كأغلب
الأبقار)، "وتثير الأرض ولا تسقي الحرث" أي: أنها غير معدة للسقي في
الساقية.. بل هي مكرمة، " مسلمة لا شية فيها" أي: خالية من النقص
والعيوب.
ولقد طال بهم البحث عن تلك البقرة،
ذلك لأنها بقرة مميزة ويندر وجودها، ولكن الله أمر بذبحها، ومادام هذا الأمر من
الله، فهي حتماً موجودة ولا شك في ذلك، ولقد كانوا يعلمون صعوبة الحصول على بقرةٍ بهذه المواصفات، ولكنهم أدركوا أخيراً أنهم شددوا على أنفسهم فلم يستمر جدالهم، حتى
لا يزداد الأمر تعقيداً، وكان قولهم في النهاية " الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ "،
وكأن كل ما أخبرهم به موسى عليه السلام من أمر الله سبحانه وتعالى ليس حقاً !
وذلك كان سوء أدبٍ منهم مع الله ورسوله.
وتلك البقرة كان يملكها أحد أبناء
بني إسرائيل، وكان باراً بوالديه، وقصته قصة عجيبة لا تقل عجباً عن قصة البقرة
نفسها، والتي اتضح فيها أن الله قادرٌ على كل شئ، وأنه يعطي كل ذي حق حقه، فهو
يرانا ويسمعنا ويعلم ما نُخفي وما نُعلن، وقصة صاحب البقرة أيضاً تظهر رحمة رب
العالمين بعباده الصالحين، وأنه يرزق من يشاء..
فما هي قصة صاحب البقرة؟
· قصة صاحب البقرة التي كان يبحث عنها بنو إسرائيل:
يحكى أن رجلاً من بني إسرائيل كان له
ولدٌ، وكانت له عجلةً (بقرة صغيرة) فأرسلها في حقله، وقال اللهم إني استودعك هذه العجلة لهذا
الصبي (ابنه)، ثم مات الرجل..
فلما كبر الصبي قالت له أمه - وكان
براً بوالدته- إن أباك ترك لك عجلةً واستودعها الله لك، فاذهب فخذها، فذهب، فلما
رأته البقرة جاءته مُستسلمة، فاستلمها وسار بها، وكانت تلك البقرة تتسم بنفس الصفات التي يبحث عنها بنو
إسرائيل، ولله في ذلك حكمة، حيث أراد الله تعالى أن يحصل هذا الفتى اليتيم الصالح على إرثه بتلك البقرة.
وقاد الفتى البقرة وسار بها نحو
أمه، فقابلوه بنو إسرائيل ووجدوا البقرة بها نفس الصفات التي أمرهم الله بها،
فطلبوا منه أن يشترونها منه بسعرها في السوق، ولكنه طلب منهم أن يقدروا سعرها
بمقدار وزنها ذهباً فرفضوا، فأتوا موسى عليه السلام وأخبروه بما حدث معهم.
فقال لهم: أرضوه في ملكه فاشتروها
منه بوزنها عشر مرات، وقيل في رواية أخرى اشتروها منه بملء وزنها دنانير، وقد كان
رزقه هذا من عند الله تكريماً له بسبب بره بوالديه وأخيراً أخذوها وذبحوها كما أمرهم
الله سبحانه وتعالى، وهنا تتبين لهم حكمة الله عز وجل من هذا الأمر.. فماذا حدث
بعدما ذبحوها؟
·
الحكمة من أمر الله بذبح البقرة:
وبعد أن ذبحوا البقرة أمرهم الله أن
يضربوا القتيل ببعضها.. كما قال الله تعالى في كتابه العزيز" فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ
بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِ اللّه الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ "، فلما فعلوا ما أمروا به، أحيا الله سبحانه وتعالى القتيل
فرد إليه روحه، فقام وقال قتلني فلان، ثم عاد ميتاً، واقتص من قاتله، وحُرِم قاتله من
الميراث.
وهكذا تكون قد انتهت القصة وأسأل
الله أن ينفعنا وإياكم ونستفيد من هذه القصص المذكورة في القرآن الكريم فإنها جاءت
موعظةً لنا حتى لا نسلك سلوك هؤلاء الضالين الذين لا يتبعون أوامر الله.
والحمد لله رب العالمين والصلاة
والسلام على النبي الأمين
تعليقات
إرسال تعليق