قصة سيدنا آدم عليه السلام
لقد خلق الله سبحانه وتعالى السماوات
والأرض وما بينهما في ستة أيام، وهو القادر على أن يخلقها بقوله كن فيكون، كما قال
تعالى:- "أَوَلَيْسَ
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ
مِثْلَهُم ۚ بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ ﴿٨١﴾ إِنَّمَا
أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴿٨٢﴾ فَسُبْحَانَ
الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٨٣﴾".(الآيات من سورة يس من ٨١إلى٨٣)
إن الله أخبرنا في كتابه العزيز أنه
خلقها في ستة أيام ليبتلي عباده ويختبرهم ويعلمهم أن أحسن العباد عملاً هو الذي لا
يتعجل في الأمور، بل يتدبر ويتأنى ويتقن عمله، حيث إنه هو الخالق القادر المدبر لم
يتعجل في خلق السماوات والأرض وما بينهما، ولم يتعجل في خلق آدم بل خلق كل شئٍ بنظامٍ وتدبير.
خلق الله سبحانه وتعالى الأرض وجعل عليها الجبال رواسي لكي لا تميد ولا تتزلزل، ثم خلق السماء ثم استوى على العرش، ثم خلق الملائكة الذين يسبحون له ولا يفترون ولا يقتطعون، فالملائكة يُلهمون التسبيح والتحميد والتكبير كما يُلهم البشر النفس، والملائكة لا يعصون لله أمراً، ثم شاء الله تعالى أن يخلق آدم عليه السلام، فخلقه من غير أبٍ وأم.
· كيف كان خلق آدم عليه السلام؟
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء
بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأبيض، والأحمر، والأسود، وبين ذلك، والسهل،
والحزن، وبين ذلك، والخبيث، والطيب، وبين ذلك." ..رواه الترمذي
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال:-
فبعث الله عز وجل "جبريل" في الأرض ليأتيه بطينٍ منها، فقالت الأرض: أعوذ بالله منك أن تنقص مني أو تشينني، فرجع ولم يأخذ.
وقال: رب إنها عاذت بك فأعذتها.
فبعث"ميكائيل" فعاذت منه فأعاذها،
فرجع. فقال كما قال "جبريل" ، فبعث ملك الموت، فعاذت منه.
فقال: وأنا أعوذ بالله أن أرجع ولم أنفذ أمره، فأخذ من وجه الأرض وخلطه، ولم يأخذ من مكانٍ واحد، وأخذ من تربةٍ بيضاء وحمراء وسوداء، فلذلك خرج بنو آدم مختلفين، فصعد به فبِلّ التراب حتى عاد طيناً لازباً.
(واللازب:
هو الذي يلزق بعضه ببعض ).
وهذا يفسر إختلاف البشر في اللون
وفي الصفات، فإذا خلق الله الجميع متشابهين لفسدت الأرض، فمن حكمته سبحانه وتعالى أن يرى الإنسان
الصحيح غيره المريض المعتل فيتعظ ويحمد الله على نعمته وصحته، وكذلك يصبر الطيب
السمح على إيذاء الظالم وهكذا...
خلق الله آدم عليه السلام بيده،
وتركه طيناً أربعين سنة حتى إذا كان صلصالاً كالفخار، فمرت به الملائكة ففزعت منه لما رأوه، وكذا
إبليس فكان أشد فزعاً من الملائكة. فكان يمر به فيضربه فيصوت الجسد (هذا المخلوق
الغير متحرك) فيصدر صوتاً مثل صوت الفخار له صلصلة.
وكان إبليس يقول لهذا الجسد: لأمرٍ ما خلقت، ثم قام إبليس فدخل في فمه وخرج من دبره، ثم قال للملائكة: لا ترهبوا من
هذا، فإن ربكم صمد وهذا أجوف لئن سُلطتُ عليه لأهلكته، فعندما علم إبليس بأن آدم أجوف
أدرك أنه لا يتمالك. ومعنى لا يتمالك:-
أي لا يتمالك أمام الشهوات والمغريات ولا يملك دفع الوساوس عن نفسه.
وذلك يدل على عداوة الشيطان لآدم
منذ أن خلقه الله وهو مخلوقٌ من طين.
ثم نفخ الله الروح في هذا الجسد، فدخل الروح في رأسه فعطس، فقالت الملائكة: قل الحمد لله، فقال: الحمد لله، فقال له الله: رحمك ربك، فأنطق الله الجسد وبصر ببصره وتحرك.
فكان لآدم أربعة أشياء ميزه
الله بهم عن سائر المخلوقات:-
* أن الله خلقه بيده.
* نفخ الله فيه من روحه.
* أمر الله الملائكة بالسجود له.
* علمه الله أسماء الأشياء كلها.
ثم قال الله: يا آدم اذهب إلى هؤلاء النفر فسلم عليهم فألقى عليهم السلام، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فقال الله: يا آدم هذه تحيتك وتحية ذريتك.
· إني جاعل في الأرض خليفة:
أراد الله أن يخلق آدم ويجعله خليفة في الأرض؛ فقال للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة.
"خليفة ": ليست بمعنى إنه
خليفة الله في الأرض (هذا باطل) لأن الخليفة يأتي بعد الغياب كالسفر أو الموت،
والله منزهٌ عن هذا كله فهو الحي القيوم.
ولكن معنى "خليفة" : اي
يخلف بعضهم بعضاً (خلائف الأرض) جيلٌ يخلف جيل وهكذا.
قول الملائكة: "أتخلق فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء" هذا استفهام وليس اعتراض، وليس على سبيل الحسد مثلما
فعل إبليس.
يقول بعض أهل العلم:- كيف عرفت
الملائكة أن بني آدم سيفسدون في الأرض ويسفكون الدماء؟ لأنهم قاسوا حال آدم وذريته
على حال الجن الذين سبقوهم في الأرض ، حيث أسكن الله الجن في الأرض ففسدوا فيها
وسفكوا الدماء، فأمر الله الملائكة فأخرجوهم من الأرض إلى جزر البحار.
ولكن الله قال: " إني أعلم ما لا
تعلمون" بمعنى أن الله يعلم أنه سيأتي من بني آدم الأنبياء والعلماء
والصالحين والشهداء والأخيار والعُباد والزُهاد، أراد الله أن يُظهر للملائكة فضل آدم
عنده، فعلم آدم عليه السلام الأسماء كلها ثم عرضها على الملائكة، وسألهم أن ينبؤه
بها ولم تعلم الملائكة فأنبأهم بها آدم عليه السلام بعد أن علمها الله له.
· حسد إبليس لآدم عليه السلام وعداوته له منذ خلقه:
إبليس ليس من الملائكة ولكنه كان
معهم وليس منهم، فكان إبليس من الجن فهو مخلوقٌ من نار، وخلقت الملائكة من نور،
الملائكة مؤمنين ولا ذرية لهم، وامتثلوا لأمر الله تعالى وسجدوا لآدم، وكان ذلك
سجود تحيةٍ وتعظيم وليس سجود عبادة، فالملائكة لا يأكلون، ولا يشربون، ولا
يتناسلون؛ ولا عمل لهم إلا عبادة الله، والملائكة يحبون آدم عليه السلام وذريته المؤمنين
ويدعون لهم بالخير.
أما إبليس كفر واستكبر وجحد، وحسد
آدم عليه السلام وتوعد له بالهلاك فهو عدو لآدم وذريته إلى يوم الحساب، أبى إبليس
واستكبر وعصى الله بحجة أنه مخلوقٌ من نارٍ وآدم عليه السلام مخلوقٌ من طين، أي أن
إبليس فضل النار على الطين، بالرغم من أن الطين مادة بناءٍ وسكون والنار مادة هدمٍ وحرقٍ وإتلاف.
حسد إبليس آدم عليه السلام لأن الله
خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وأسجد له الملائكة وكرمه وذريته من بعده فسخر لهم ما
في الأرض جميعاً، لقد خلق الله آدم عليه السلام في أحسن تقويم وفي أعدل خلق وأسكنه
الله جنته، فحسده إبليس على هذه النعم وتمنى زوالها منه ورجوعها إليه، فعندما عصى إبليس
أمر ربه فغضب الله عليه وطرده من رحمته وأبدله ناراً بعد الجنة، وبعداً بعد القرب،
وغضباً بعد الرحمة، وهو يستحق ذلك لكفره واستكباره على خالقه.
وطلب الشيطان من الله أن ينظره يوم
يبعثون، ولقد استجاب له الله وقال له فإنك من المنظرين، واقسم الشيطان اللعين
ليغوي العباد فلا هدف له إلا إغواء بني آدم ليلاً ونهاراً.
ولذلك فيجب على المؤمن ان يعصم نفسه
من الشيطان بذكر الله تعالى وقراءة القرآن وبآذكار الصباح والمساء والأوراد.
· خلق حواء:
عاش آدم عليه السلام وحيداً لا يجد
من يكلمه ويؤنس وحدته، نام آدم وحيداً وصحى من نومه، فوجد بجواره امرأة فنظر إليها
وسألها من هي وما اسمها؟ ولكنها لم تكن تعرف اسمها، فرح آدم بهذه المرأة ورآها
تتحرك وفي جسدها حياة فقال لها: أنتِ حواء.
تفضل الله على آدم وخلق له حواء من
ضلعه، لتكون زوجة له من جنسه، تعيش معه وتسليه وتؤانسه ويسكن إليها وتسكن إليه؛ فلقد خلق الله حواء من أبٍ ومن غير أُم كما خلق آدم عليه السلام من غير أبٍ وأُم، ثم خلق سائر البشر من أب وأم.
أسرع الملائكة إلى آدم عليه السلام
يسألونه عن هذه المرأة فقال لهم: أنها حواء.
وأمر الله آدم أن يسكن في الجنة هو
وزوجته حواء، وأن يأكلا من ثمارها وفاكهتها ويتمتعا بشرابها وظلالها وأشجارها
الخضراء من غير تعبٍ ولا عمل، ونهى الله آدم وحواء أن يقربا شجرةٍ عينها لهما، وبينّ لهما أنهما إن خالفا وأكلا من هذه الشجرة ليكونا ظلما أنفسهما بمخالفة أمر ربهما.
عاش الزوجان في الجنة عيشة هنيئة
سعيدة، يتمتعان بما فيها من ثمارٍ وفاكهةٍ لذيذة ومياهٍ عذبة وأزهارٍ طيبةٍ من غير تعبٍ ولا مشقة، ووعدهما الله أن تبقى لهما هذه السعادة إذا إجتنبا تلك الشجرة التي
نهاهما عنها.
وجه الله نظر آدم إلى كيد إبليس
وحذره خيانته وغدره، لأن إبليس طُرِدّ من الجنة بسبب آدم؛ فهو يكره آدم ويكره حواء
ولا يحب لهما الخير، ويؤلمه أن يتمتعا بنعيم الجنة وهو مطرودٌ منها محرومٌ من رحمة
الله وفضله.
عزم إبليس أن ينتقم من آدم ويثأر
لنفسه منه، ويحرمه هو وحواء من نعيم الجنة، فظل يحاول الوصول إلى الزوجين السعيدين
ليغويهما، فتمكن من الوصول إليهما.
يُقال أن الشيطان إستعان في دخوله للجنة
بالحية، فدخل في فمها (بعلم الله وسمعه وبصره) وتركه الله وقدر سبحانه وتعالى ذلك لحكمةٍ وغايةٍ لا يعلمها إلا هو، حيث ان الله حرم هذه الشجرة بعينها على آدم وكان بمقدوره
عدم حرمانه منها، فإن الله جعل ذلك كله بتقديرٍ منه إختباراً وإبتلاءاً لآدم.
وبعد دخول إبليس في فم الحية دخلت
به إلى الجنة، فأخذ يوسوس لهما ويزين لهما الأكل من تلك الشجرة التي نهاهما الله
عنها، ووسوس لهما بالخلود في نعيم الجنة بالأكل من هذه الشجرة، ولكن آدم وحواء
امتنعا عن الأكل من تلك الشجرة، ولكن إبليس لم ييأس فترك الزوجين بعض الوقت ثم عاد
إليهما، وأقبل عليهما وأظهر حبه لهما وحرصه على سعادتهما. سمع آدم وحواء قول إبليس
للمرة الثانية فازدادا نفوراً منه وبعداً عنه ولم يستمعا له فأسرع خلفهما وقاسمهما
(أقسم لهما بالله كذباً) وكان ذلك القسم هو السبب في تصديق آدم وحواء لإبليس رغم
علمهما بنهي الله عن الأكل من هذه الشجرة، وعدم توقعهما جرأة أي مخلوق على القسم بالله كذباً.
فأكلا من الشجرة فبدت لهما سوءاتهما أي عوراتهما التي كانت مغطاه، فكُشفت وجرى آدم وحواء في الجنة ليأخذا من أوراق الشجر ليغطوا عوراتهما المكشوفة ويستروا أنفسهم، خجل آدم وخجلت حواء حين ظهرت سوءاتهما، وهربا حياءً من الله الذي يراهما فناداهما ربهما وقال لهما: ألم أنهكما عن هذه الشجرة؟!
ألم أقل لكما إن الشيطان لكما عدوٌ مبين؟! فلماذا إستمعتما إليه، وأطعتما
أمره؟!
فقالا: ربنا؛ ظلمنا أنفسنا بمخالفة
أمرك فإن لم تغفر لنا وترحمنا وتتوب علينا لنكونن من الخاسرين في الدنيا والآخرة.
آدم وحواء أذنبا وعصيا ربهما
ولكنهما تابا واستغفرا الله، وقالا: يا
ربنا، لقد أذنبنا وأخطأنا وندمنا على ما فعلنا، فتب علينا واغفر لنا وارحمنا. فتاب
الله عليهما إن الله غفورٌ رحيم.
تاب الله على آدم وحواء وغفر لهما،
ففرحا بمغفرة ربهما وتمنيا البقاء في الجنة والتمتع بنعيمها، وعلم الله منهما هذا،
فأخبرهما أن زمن البقاء في الجنة قد انتهى وأن توبة الله عليهما إنما كانت بعدم تعذيبهما بسبب المخالفة والأكل
من الشجرة.
أمر الله الزوجين وإبليس أن يهبطوا
إلى الأرض (إلى المسكن الجديد)، حيث العيش بالعمل والعرق والتعب والمشقة، وأخبر
الله آدم وحواء أن العداوة ستظل بينهما وبين إبليس قائمة، وحذرهما من فتنته.
وحين أُهبط آدم إلى الأرض، علمه الله
صنع كل شئ ليستطيع العيش على الأرض، ونزل آدم بالحجر الأسود من الجنة يمسح به
دموعه عند خروجه منها.
خرج آدم وحواء من الجنة وهبطا إلى
الأرض، وعندما شعرا بالجوع لم يجدا فاكهةً ولا ثماراً كما كانا يجدان في الجنة دون
مشقةٍ أو تعب، فبدأ آدم في البحث عن الطعام له ولزوجته حتى تعب وسال عرقه، وشاركته
حواء في البحث عن طعامهما، وهكذا تغير مجرى الحياة.
عاشا آدم وحواء فى الأرض ورزقهما
الله البنين والبنات، فكانت حواء تلد فى كل مرةٍ ذكراً وأنثى فى بطنٍ واحد، ثم أمر
الله آدم بأن يزوج الذكر بالأنثى من توأمٍ آخر سابق أو لاحق له على ألا يتزوج الذكر أخته من نفس البطن.
رزق الله آدم وحواء "قابيل"
وأخته في بطنٍ واحد، وبعد عام رزقهما الله بولدين آخرين هما "هابيل"
وأخته في بطنٍ واحد، كبر قابيل وكبر هابيل وأصبحا شابين قويين، ونزلا إلى ميدان
العمل ليساعدا والدهما في الحصول على قوت الأسرة التي يزيد عددها كل عام، وليساعداه
على حماية هذه الأسرة من الحيوانات المفترسة.
كان قابيل غليظ القلب قاسياً، ردئ
الطبع، بخيلاً ولا يحب الخير لغيره، ولغلظة قلبه وقسوته كلفه أبوه بزراعة الأرض
التي لا تحتاج إلى رقةٍ أو حنانٍ أو عطف.
وكان هابيل رجلاً قوي الجسم، سليم
العقل، طيب القلب، يطيع والديه، ويرضي ربه، ويحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه،
ولذلك كلفه أبوه أن يرعى الماشية والأغنام، لأنها تحتاج إلى العطف والشفقة
والرحمة.
مع طلوع شمس كل صباح، يخرج آدم عليه
السلام ليصطاد، ويخرج قابيل ليزرع، ويخرج هابيل ليرعى، وتبقى حواء فى الكهف مع
صغارها لتربيهم وترعاهم، ثم يعود آدم حاملاً الطيور التي صادها، وقابيل حاملاً الثمار والفاكهة، وهابيل حاملاً الألبان.
أوحى الله إلى آدم عليه السلام أن
يتم الزواج بين أبنائه الأربعة (قابيل وأخته وهابيل وأخته) عندما بلغوا سن الزواج،
على أن يتزوج قابيل من أخت هابيل، ويتزوج هابيل من أخت قابيل، وقد أطاع هابيل والديه
ورضي بما قسم الله له، أما قابيل فقد عصى أمر الله ولم يطع والديه، وكانت رغبة
قابيل أن يتزوج كلاً منهما أخته التي وُلِدت معه، ووقع آدم فى حيرةٍ شديدة إلى أن هداه
الله إلى طريقةٍ لحل هذا الخلاف.
طلب آدم عليه السلام من ولديه أن
يقدم كلٌ منهما قرباناً من محصوله ليتقرب به إلى ربه، والذي يقبل الله زكاته
وقربانه، يكون أحق بتحقيق رغبته.
فرح هابيل وأطاع أمر أبيه وأسرع إلى
ماشيته، واختار أحسن ما فيها وقدمه قرباناً إلى ربه، أما قابيل فإنه نفذ أمر أبيه
متألماً لأنه بخيل، ولذلك اختار أردأ شئٍ من محصوله الزراعي وقدمه قرباناً.
وضع كل من الولدين هديته وقربانه على
قمة الجبل، وفي اليوم التالي توجه آدم ومعه هابيل وقابيل إلى الجبل، فلم يجد هابيل
هديته فعرف أن الله قبلها منه، أما قابيل فإنه وجد هديته كما هي فعرف أن الله لم
يقبلها.
قال الله تعالى في سورة المائدة "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ
بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ
يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ
اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ"
فرح هابيل لأن الله رضي عنه وقبل
قربانه، وحزن قابيل لأن الله غضب عليه ولم يقبل قربانه وفضل عليه أخاه.
تحرك الشر في نفس قابيل، ووسوس إليه
الشيطان بقتل أخيه ليستريح منه، قال قابيل لأخيه: سأقتلك لأستريح منك وأتزوج أختي، فقال له هابيل
وكان أقوى من قابيل: لئن مددت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يديّ إليك لأقتلك،
إني أخاف الله رب العالمين، لكن قابيل كان قاسي القلب، ثائر النفس، عظيم الحقد، لا
يخاف الله.
وفى ثورة وقسوة ووحشية، قتل قابيل
أخاه هابيل، وجرى أول دمٍ إنسانيٍ على ظهر الأرض ظلماً وعدواناً.
وعندما رأى قابيل دم هابيل المظلوم،
فاستيقظ من غفلته وندم على فعلته، ولم يكسب شيئاً كما كان يظن، بل خسر كل شئ ، وقف
قابيل أمام أخيه المقتول حائراً، لا يعرف كيف يواري سوأته! فبعث الله غرابين
فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر فصار الغراب الحيّ يحفر فى الأرض بمنقاره ورجليه حفرةً كبيرة، ثم جذب الغراب الميت ووضعه فى الحفرة وغطّاه بالتراب.
قال الله تعالى: " فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي
الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا
أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ
فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"
ثم حفر قابيل حفرةً فى الأرض، وجر
جثة أخيه ووضعها فى الحفرة وهال عليها التراب.
عاش آدم عليه السلام بعد ذلك هو
وحواء ما قدر الله لهما أن يعيشا ورزقهما بنين وبنات، وتزاوجوا جميعاً على النظام
الذي علمه الله آدم، ثم كان لهما أحفادٌ وأحفاد، وزاد عدد البشر وانتشروا فى الأرض
لعبادة الله الخالق وعمارة أرضه.
تعليقات
إرسال تعليق