القائمة الرئيسية

الصفحات

كيف تشعر بالسعادة؟


كيف تشعر بالسعادة؟



السعادة ... ماذا تعني هذه الكلمة؟ إنها تحمل معانى كثيرة ... ولكنها تختلف فى مفهومها من شخص لآخر حسبما يشعر بالسعادة .



فيرى البعض مثلاً أنه سوف يصبح سعيداً جداً إذا أصبح غنياً، تُرى هل إذا أصبح غنياً سوف يشعر بالسعادة التى يأملها أم لا؟ أم انه إذا أصبح غنياً وحصل على قدرٍ كبير من المال الذى طالما حلم به وتمناه سوف يكون سعيداً بالفعل، أم أنه وقتها سوف يحتاج إلى المزيد لأنه لا يزال لا يشعر بالسعادة.


وقد يرى البعض الآخر أن السعادة فى أن يكون له أبناء لأنه حُرم من الإنجاب، ولكن السؤال هنا هل يا تُرى لو رزق بالأبناء سوف يكون سعيداً ؟ أم أنه إذا أصبح لديه أبناء صاروا هم أنفسهم سبباً فى تعاسته إذا لاقى منهم العقوق، فلا أظن وقتها أنه سوف يشعر بالسعادة مع أبناء عاقين.




*الرضا بما قسمه الله لنا أسمى درجات السعادة :-

فى الحقيقة أنا لا أنكر أن المال والبنون هما نعمتان عظيمتان, لقد قال الله تعالى فى كتابه العزيز: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا). 


ولكن هناك بعض الناس حُرموا من إحدى النعمتين وربما يشعرون بالسعادة لأن الله أنعم عليهم بنعمة أكبر ألا وهى نعمة الرضا. 



إن نعم الله على عباده كثيرة ولا تُحصى، ومما لا شك فيه أن الله عادل يعطى كل فرد حقه من النعم كاملاً، (24 قيراط كما يقولون )، وكل إنسان يأخذ حقه من النعم بنسبة 100%  مع إختلاف توزيع تلك النسب من شخص لآخر، فكل إنسان يأخذ نصيبه كاملاً، مزيج من المال والصحة والأبناء والعلم والزوجة الصالحة والمنصب ...إلخ . 


مع إختلاف نسبة كل نعمة من شخص لآخر، ففى النهاية نجد كل إنسان يأخذ حقه كاملاً .



*الشعور بالسعادة شىء نسبى:-

مفهوم السعادة يختلف من شخص لآخر، والشعور بها شىء نسبى، والحقيقة أن السعادة من وجهة نظرى تتمثل فى حال الرضا التى يتحلى بها الإنسان، وهى الرضا بما قسمه الله له، فإن رضى بنصيبه وكان قانعاً به وعلى يقين بأن الله يقدر الخير لعباده، وإذا وقع القدر آمنا به وصبرنا عليه، وحتى إذا أنزل الله البلاء أو المصيبة فهو يُنزل معها الصبر لمن يؤمن ويصبر فى الدنيا، ثم يُثاب على صبره فى الآخرة.



أى أنه من الأفضل إذا أصاب الإنسان نقص فى نعمة ما أو أُبتلى بإبتلاءٍ ما، ألا يتحسر على ما فاته من نصيب فى تلك النعمة ولكن عليه أن ينظر إلى باقى النعم التى ينعم بها بعين الرضا، لابد إنه سوف يجد فيها عوضاً كافياً عما أصابه من نقص.


فالواقع الذى قسمه وقدره الله لنا هو أفضل حال يمكن أن نصل إليها إذا رضينا وقنعنا بها، وتغيير الواقع أو تغيير الحال إلى الأحسن يكون بتغيير أنفسنا أولاً، ثم إستغلال كل ما نملك من قدرات إستغلالاً صحيحاً، وذلك باستخدام هذه القدرات بطريقة شرعية وسليمة للوصول إلى كافة أهدافنا وطموحاتنا فى الحياة، دون أن نغضب الله أو نخالف ضمائرنا حتى نصل لغايتنا.



ومما لاشك فيه أن أى إنسان يستطيع تحقيق هدف ما فى حياته، كالنجاح فى الدراسة أو العمل أو الزواج ممن يحب ....إلخ. 


من المؤكد إنه يشعر بالسعادة عند الوصول إلى هدفه الذى اجتهد وتعب من أجله، ولكن إذا أصابه بعض النقص يحزن، لكنه إذا أعاد النظر إلى باقى النعم وحاول الإستمتاع بها وهو يعلم أن هناك الكثير من البشر حُرموا من هذه النعم، فمن المؤكد إنه سوف يشعر بالسعادة.


وكما قال الله سبحانه وتعالى :- 
" وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون " (الآية 216 من سورة البقرة).



*اختلف المفكرون والفلاسفة فى تعريف السعادة :-


ويعد السبب فى إختلاف المفكرون فى تعريف السعادة يرجع إلى إختلاف الشعور بها من شخص لآخر، حيث يرى شخص ما سعادته فى الإنجاب مثلاً فى حين يرى شخص آخر أن الأبناء سبب تعاسته وفقره.


 ومن الممكن أن ترى المرأة العزباء سعادتها فى الزواج بينما ترى إمرأة أخرى متزوجة بالفعل سعادتها فى الطلاق، فكل شخص يرى سعادته فى الحصول على ما ينقصه، ربما نشعر بالسعادة عند الوصول إلى ما ينقصنا.


ولكن السؤال هنا هل سيستمر ذلك الشعور بالسعادة؟ أم إننا سوف نتطلع إلى النظر لأشياء أخرى تنقصنا! 

يقول العلماء أن السعادة الحقيقية تعنى عملية التوازن بين متطلبات الروح  من عبادة واستقرار ونقاء نفسى وبين متطلبات الجسد من طعام وشراب ومسكن وزوجة وأبناء، ومن المعروف أن إشباع الرغبات عادًة يكون سبباً فى شعور الناس بالسعادة، كما أن الراحة النفسية وهدوء البال هو مطلب كل إنسان للإحساس بالسعادة. 


فلابد من إحداث التوازن بين راحة الجسد المادية  وراحة الروح المعنوية، أى لا يُعذب الإنسان نفسه أو روحه كما لا يُقصر فى حق جسده فى نفس الوقت.
فبهذا الهدوء النفسي والسلام الداخلي والبعد عن الأنانية، تزداد مقاومة الإنسان للأحداث السيئة فى حياته. 


كما أن الحب والعلاقات الطيبة والإهتمام بالآخر وتحقيق الأهداف ، كلها أسباب تدفع الإنسان للنجاح وتحقيق الذات والشعور بالسعادة. 



*مفهوم السعادة فى الإسلام :-


الشعور بالسعادة هو شعور بالطمأنينة يقذفه الله سبحانه وتعالى فى قلب المؤمن الذي يتقي الله ولا يعصاه، كما قال سبحانه و تعالى:  " ألا بذكر الله تطمئن القلوب ". 
(الآية 28  من سورة الرعد.) 


فالمؤمن يشعر بالطمأنينة إذا قرأ القرآن الكريم فتهدأ نفسه وتطمئن.


كما أن السعادة هي شعور النفس بالرضا و القناعة بقدر الله تعالى، بل أن الرضا بما أنعم الله علينا و بما ابتلانا به هو أسمى و أرقى درجات السعادة .


الحياة الدنيا هي دار التعب والشقاء و العمل أما دار الراحة والسعادة فهى الدار الآخرة،  فنحن خُلقنا لنعبد الله و نُعمر الأرض و نشقى فيها فلا جنة في الأرض، ووعدنا الله سبحانه و تعالى بدخول الجنة في الآخرة إذا عملنا عملاً صالحاً في الدنيا و كنا من الفائزين بالجنة في الآخرة، كما يقول في كتابه العزيز :- 
"الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ". 

(الآية 32  من سورة النحل.) 




*كيف تشعر بالسعادة؟


يعيش الناس طوال حياتهم يبحثون عن السعادة وربما لو تخلوا عن البحث عنها لوجدوها فى أبسط الأشياء المحيطة بهم، إن الله أوضح لنا العديد من السبل للوصول إلى السعادة فى كتابه العزيز وسنة حبيبه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه. 


_ فمن الممكن أن تجد السعادة فى العطاء إذا أعطيت الفقير من مالك، فتكون هذه الصدقة سبباً فى سعادتك كما تكون أيضاً سبباً فى نماء أموالك وزيادتها لأن الصدقة تضاعف الأموال وبذلك قد تكون سبباً فى شعورك بالسعادة.



_ ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء، فتجد السعادة فى رحمة الله إذا أنت رحمت عباده، وكيف لا يشعر ذو القلب الرحيم بالسعادة؟ وهو يقدر على أن يرحم الإنسان والحيوان إبتغاء وجه الله الرحمن الرحيم .

_ وكيف لايشعر بالسعادة؟ من كفل اليتيم أو أطعمه أو حتى مسح على رأسه أو أدخل على نفسه البهجة والسرور، وهو يرجو أن يحظى برفقة رسول الله عليه الصلاة والسلام فى الجنة.


_ وكيف لا يشعر بالسعادة؟ من أحسن إلى إناثه وأولاهن بالإحسان أمه، ثم أحسن معاملة زوجته واحترمها وقدرها، ثم أحسن إلى بناته إذا رزقه الله بالإناث فأحسن تربيتهن وتعليمهن ومعاملتهن، ثم وصل رحمه كما أمرنا الله ورسوله الكريم.
  فإذا شعر الرجل بضعف النساء وساندهن ولم يحرمهن من حقوقهن فى التعليم والعمل وإختيار شريك الحياة والميراث فلابد وأن يشعر بالسعادة لأنه كان سبباً فى شعور إمرأة ضعيفة بالسعادة لحصولها على كامل حقوقها.



_ وكيف لا يشعر بالسعادة؟ من كان سبباً فى علاج مريض أو إنقاذ مُصاب أو مساندة عاجز أو رد غائب إلى حضن أمه أو نصرة مظلوم، أو حتى إبتسم فى وجه أخيه فالإبتسامة فى وجه أخيك صدقة.


_ وكيف لا يشعر بالسعادة؟ من تخلى عن الغل والحقد على الناس، وتخلى عن حسدهم وتمني زوال النعم من الآخرين، إن من يحب لإخيه ما يحب لنفسه شخص تصفو نفسه من الضغينة ويتمتع بالسلام الداخلى ونقاء النفس.



*مفهوم السعادة الحقيقي :-


السعادة هى أقرب ما يكون إلينا نجدها فى العطاء والرحمة والإمتنان والتفاؤل وحب الناس والسكون ونقاء النفس والرضا، ونجدها فى نعم الله التى لا تُعد ولا تُحصى، رزقنا الله بها جميلة وعلينا أن نحافظ عليها جميلة ولا نشوهها ونعبث بها على هوانا، كالذى يُرزق بالمال فينفقه فى اللعب واللهو والسهر بدلاً من أن ينفقه فى سبيل الله.


إن إقتناء شئٍ ما قد يكون سبباً فى الشعور بالسعادة، أو أن وجود شخصٍ ما فى حياتنا من الممكن أن يكون سبباً فى الشعور بالسعادة، أو الوصول إلى النجاح أو إنجاز عملٍ ما أيضاً قد يكون سبباً فى الشعور بالسعادة. 


وهذا يعني أن الفكرة هى السبب فى الإحساس أو الشعور، فإذا كانت الفكرة إيجابية كانت سبباً فى الشعور بالسعادة، أما إذا كانت الفكرة سلبية كانت سبباً فى الشعور السلبي والإحساس بالتعاسة، ولذلك علينا أن نغير أفكارنا ونجددها ولا نكون مساجين للأفكار الهدامة والأحاسيس والعواطف السلبية، يكون المرء سعيداً بمقدار الدرجة التى يقرر أن يكون عليها من السعادة، حسبما يربط نفسه بالأفكار التى سوف تسبب له السعادة. 


والإنسان هو وحده القادر على التحكم فى أفكاره وعواطفه التى هى السبب فى شعوره بالسعادة أو بالتعاسة، فإذا صادف وقابل الأفكار والعواطف السلبية فلا يجعلها تسيطر عليه فسيطرة الفكرة  تولد الإحساس بها، بل عليه ملاحظتها أو إلغائها أو إستبدالها على الفور حتى يُحرك الأحاسيس الإيجابية. 

كما أن الإنسان أيضاً قادر على أن يحافظ على النعمة التى أنعم الله عليه بها ويستمتع بها فيشعر بالسعادة، ولكن بعض الناس يهملون تلك النعم ولا يحافظون عليها فتتحول النعمة إلى نقمة فتكون سبباً فى شعورهم بالتعاسة. 

كالذى رُزِق بالأبناء فتركهم فى الشوارع دون إعتناء بهم فى منزله وتعليمهم والإنفاق عليهم، فتنقلب تلك النعمة إلى نقمة وتكون مصدر لإنتشار الإجرام فى المجتمع.


 أو كالذى رُزِق بالصحة والعافية  فلم يستغلها استغلالاً صحيحاً، فتكون سبباً فى إهماله لبيته وأسرته وربما إهداره لأمواله.


إذا سكن الإيمان القلب اطمأنت النفس، ونظرت الروح للحياة بتفاؤل وأمل، واستطاع الجسد بذل الجهد فى سبيل النجاح فى الحياة، والتمتع بنعم الله الجميلة وشكره عليها، وترى العين كل شىٍء حولها مُبهج وجميل، ويتعاطف الإنسان مع الآخرين ويتخلى عن حسدهم وحقده عليهم، فيشعر بصفاء ورضا وهما قمة الشعور بالسعادة.





تعليقات

التنقل السريع