القائمة الرئيسية

الصفحات

لحظة ندم... قصة وعبرة

لحظة ندم... قصة وعبرة 


وآسفا... اه على أيام مضت، ولم استطع الآن العودة للحياة فيها، لأعيشها كما كان ينبغي أن أعيشها، الآن وأنا بين قلمي وأوراقي كم أشعر بالندم، على جروحٍ لم أضمدها، وكسورٍ لم أصلحها، وآلامٍ تسببت فيها ولم أداويها.

 

وحسرتاه .... أبكي اليوم بعد فوات الأوان، لم أفكر لحظة واحدة من قبل في مثل هذا اليوم، كم كنت أنانياً ولم أشعر بها وأقدر مشاعرها ومجهوداتها، كم كنت فظاً وأنا أنهرها وأحرجها أمام أبنائنا، كم كنت قاسياً ومستهزئاً بكلامها وتصرفاتها إذا طلبت مساعدتي وهى شريكة حياتي.

 

نعم إنها زوجتي، تبدأ قصتي معها بلقائنا الأول في أجازة صيفية في أحد شواطئ الاسكندرية، كانت برفقة أسرتها، وأنا كنت برفقة أبي وأمي، لم أكن أعرفها من قبل وكانت ابنة صديق أبي وزميله في العمل، فالتقا الأبوان وتبادلا الحوار واتفقا على قضاء اليوم التالي مع الأسرتين والقيام بزيارة بعض الأماكن المعروفة بالاسكندرية.

 

ومن أول مرة رأيتها فيها أُعجبت أولاً بجمالها فكانت جميلة جداً ، ثم بأخلاقها وكمال أدبها، كما كانت شخصية مرحة وضحكاتها تملأ المكان وهي تردد بعض الفكاهات هي وإخوتها وتتذكر أسرتها بعض المواقف مع أبنائهم منذ الصغر ويضحكون وصرنا نضحك جميعاً واستمتعت جداً في ذاك اليوم.

 وعُدنا بعدها إلى القاهرة، ولم استطع أن أنساها، فهي إنسانة جميلة الشكل والطبع معاً وتلقائية وتبعث البهجة والراحة إلى من يتحدث إليها.


كانت ذكية وهادئة الطبع، ظللت أفكر فيها كثيراً ولم استطع إخراجها من تفكيري، لم أكن أعرف هل كان هذا حباً أم إنه إعجابٌ بشئٍ جميلٍ رأيته ولم استطع إمتلاكه كعادتي، فأنا الإبن الوحيد لأسرة ميسورة الحال، وعودتني أمي منذ صغري على إمتلاك كل ما يعجبني ويروق لي، وألا يُرفض لي طلباً، فأصبحت لا أطيق أن يحرمني أحدٌ من أي شئٍ في الدنيا، ونشأت إنساناً وحيداً ولكن  الله منحني مجموعة من الأصدقاء كانوا عوضاً لي عن الإخوة، واعتدت لقاءهم يومياً وقضاء معظم وقتي معهم بعد إنتهاء ساعات العمل. 

كنت أعمل مهندساً فى ذاك الوقت وكانت هى طالبة بالسنة الأخيرة فى كلية الأداب، وفى يوم من الأيام عاد والدي من عمله وأخبرنا بدعوته لصديقه وأسرته للغداء معنا وقضاء يوم الجمعة فى منزلنا، فرحبت أمي وأنا شعرت بالسعادة تغمرني.

 

وتبادلت الأسرتان الزيارات، وسرعان ما ارتبطنا وتزوجنا بعد إنتهائها من دراستها، وطلبت منها عدم الخروج للعمل، والتفرغ لي ولبيتنا وأولادنا فى المستقبل، و كنت أنانياً فى طلبي هذا، لأني تعودت على قضاء وقت فراغي مع أصدقائى ولم أغير تلك العادة حتى بعد الزواج، فكنت أتركها دوماً وحيدة فى المنزل وأخرج لأمضي الوقت مع أصدقائي؛ وكلما طلبت منى البقاء معها فى المنزل كنت أصرخ فى وجهها: "أنا اتعودت أسهر مع أصحابي ومش هاغير ده أبداً".


وتعودت المسكينة على أسلوب حياتي، وعندما أعود للمنزل بعد العمل، لا أقبل منها مجرد التأخير فى إعداد الطعام، أو حتى أن تقدم لي طعام الأمس.


لم تكن ترغب فى إنجاب أكثر من طفلين، ورزقنا الله أحمد ومحمد، ولكن أمي لم تتركها بحالها وأخذت تقنعني بأني وحيد ولابد أن أُنجب كثيراً، وهددتها إن لم تُنجب ثانية ستزوجني من أخرى، وبالفعل لم نمحنها حقها  فى إختيار عدد أبنائها، ورُزِقنا بولدين أخرين هما على وعمر، فأصبحت تبذل جهداً كبيراً فى تلبية إحتياجات الأبناء وطهى الطعام وترتيب المنزل ونظافته، وزاد ضغط العمل فى المنزل عليها بإستذكار دروس الأبناء؛ وطالما اشتكت أنهرها قائلاً: "ست البيت هى المسئولة عن أعمال البيت وتربية الأبناء، ده شغلك مش شغلي"، وعندما طلبت مني أن أوفر لها شغالة كي تساعدها فى شئون المنزل رفضت، مع إني أمتلك القدرة المادية على فعل ذلك، ولكن إقتناعاً مني بأن هذا واجبها وليس من الشاق أن تؤديه إلى جانب الإهتمام بي ورعاية الأبناء كما كانت أمى ترعاني من قبل، وتجاهلت إن لديها أربعة من الأبناء وليس واحداً فقط.


تدهورت صحتها وكنت أظن أني قد أرحت زوجتي عندما منعتها من العمل خارج المنزل، وأنه من واجبها مقابل ذلك العمل على راحتي أنا وأبنائي طوال الوقت، فكنت أخرج للسهر والتسلية مع أصحابي بينما هى تمكث هذا الوقت مع الأبناء لإستذكار دروسهم وتلبية إحتياجاتهم.


وكانت إذا تعبت تطلب مني المساعدة فى أعمال المنزل، فلا أساعدها حتى لا يقلل ذلك من رجولتي، وكان ردي عليها دائماً لو كان عندك إبنة لكان من دورها مساعدتك، أما أنا وأولادي فنحن رجال ولا نعرف شيئاً عن شئون البيت، إلى أن كبروا الأولاد وأصبحوا يشفقون عليها ويحاولون مساعدتها، وكنت إذا رأيت أحدهم يكنس غرفة أو يقوم بغسل الأطباق، اتعصب وأمنعه قائلاً "ده شغل ستات".


وكلل الله تعبها بأبناءٍ ناجحين فى دراستهم، حتى أن أصحابي كانوا يحسدونني على الزوجة الصالحة والأبناء الصالحين الناجحين فى دراستهم، فى حين أنهم كانوا يشتكون لي من زوجاتهم اللاتي لا تفعلن مثلها فى رعاية المنزل وتربية الأبناء، فكنت أُبرر لهم هذا بأن زوجاتهم تعملن وتنفقن على المنزل مثلهم.


لم يكن العيب في عدم مساعدتي لها فقط، ولكن العيب كل العيب فى ظلمها وعدم الإعتراف بجميلها، ومرت الأيام ومرضت زوجتي واشتد مرضها حتى فارقت الحياة، وتخلصت من قسوتي وتعسفي، وانتقلت إلى رحمة الله تعالى وإلى نعيم جنته، جزاءاً لصبرها على زوجٍ مثلي، بخل عليها بكلمات شكرٍ بسيطة.

 

يا ليتني أمسكت بيدك وحنوت عليك قبل فوات الأوان؛ كنت أعلم جيداً بدورك العظيم في حياتي وحياة أبنائي، وأننا لم نكن شيئاً من غيرك، ولكن كبريائي منعني أن أعترف بجميلك وأُشعرك بتقديري له، أعلم يا حبيبتي أنك كنت تنتظرين مني أن أربت على كتفك أو أمسح على رأسك أو أضمك إلى صدري، لأمنحك حافزاً يعينك على الاستمرار في إتمام دورك في الحياة، إنها أشياء إن تبدو بسيطة في فعلها إنما قوية في تأثيرها، فهي كالسحر تمحو الأسى من النفس، فربما لو كنت فعلتها لكانت مدداً لك بالطاقة وعوناً لك على الحياة، وراحةً لضميري الآن.


فيا أيها الزوج العنصري الدكتاتوري الحاكم الآمر الناهي، تنازل عن كونك "سي السيد" وعن تلك الأفكار الرجعية، وشارك زوجتك وكُن سنداً وعوناً لها في الحياة، فهى شريكة حياتك حلوها ومُرها، حتى تحلو لك الحياة معها ولا تُعذب بعدها، فليس عيباً أن تشارك زوجتك فى أعمالها أو أن تقدم لها كلمات شكرٍ إعترافاً منك بجميل صُنعها، فلا داعي للمكابرة على التعاون فإنه لا يُنقص من رجولتك شيئاً.

 

جزاكِ الله خيراً يا زوجتي الحبيبة؛ يا نعم الزوجة الصالحة، لم أعرف قدرك إلى أن فقدتك.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق
  1. جزانا وإياكم إن شاء الله ونشكركم على تعليقكم

    ردحذف

إرسال تعليق

التنقل السريع